من المنتظر انتخاب المجلس التأسيسي بعد اشهر قليلة ليكون الثاني في تاريخ تونس الحديث حيث تاسس المجلس الاول بمقتضى أمرعلي، وقع بمقتضاه انتخاب أعضاء المجلس القومي التأسيسي يوم 25 مارس 1956 أياما قليلة بعد إعلان الاستقلال. وقد فازت الجبهة القومية بكل المقاعد برئاسة الحزب الحرالدستوري الجديد ومشاركة المنظمات الوطنية المتحالفة معه (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد القومي للفلاحين الذي تمّ تأسيسه في 2 ديسمبر 1955، بالإضافة إلى عدد من المستقلين. لقد عقد جلسته الأولى يوم 9 أفريل 1956 حيث انتخب الزعيم الحبيب بورقيبة أول رئيس له. وفي 15 أفريل عين المجلس الزعيم بورقيبة لتشكيل أول حكومة وطنية بعد الاستقلال وعين الزعيم جلولي فارس رئيسا للمجلس خلفا له. في المقابل فان المجلس التاسيسي الجديد المرتقب يختلف مع الاول من حيث الظرفية والمكونات والاهداف لكنهما يتقاربان في بعض النقاط. الثورة تتطلب "الشفاء العاجل" تولى المجلس القومي التأسيسي طيلة عام وعشرة أشهر وضع دستورفي إطار النظام الجمهوري صادق عليه نواب المجلس في قراءات ثلاث خلال الفترة الممتدة من 30 جانفي 1958 إلى الخميس 25 ماي 1959، استغرقت ست عشرة جلسة. و في جلسة ممتازة عقدت يوم 1 جوان 1959 ختم الزعيم الحبيب بورقيبة أول دستور لتونس بعد الاستقلال. كما وقع تنظيم أول انتخابات رئاسية وتشريعية يوم 8 نوفمبر 1959حيث انتخب الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية وفازت قائمة الوحدة القومية في الانتخابات التشريعية. يقول احمد بن صالح متحدثنا عن هذا المجلس :"هو الخطوة اوالمتعة السياسية الاولى ان صح التعبير - نحو الاستقلال. اظن اننا نجحنا في احداث مجلس تاسيسي، ورغم وجود صراعات سياسية داخله فقد قام بواجبه التاريخي حيث كان دوره مراقبة الحكومة." وعن المجلس الثاني المرتقب يقول بن صالح :"كان بالامكان اعداد دستور للبلاد في شهرين او ثلاثة مع امكانية تنقيح الدستورالقديم لأني اعتقد ان الثورة تتطلب نوعا من الشفاء العاجل فهذا التباطؤ والتردد في ربح الوقت وسن دستور للبلاد يكون الارضية التي ستقام على اساسها الانتخابات الرئاسية و البرلمانية قد يضر بالجوالعام الذي اصبح غير ملائم تماما , فمن غيرالمعقول ان نبقى في دائرة المؤقت من رئيس جمهورية مؤقت ووزيرمؤقت وهوامرغريب نوعا ما لعل مرده الاختلافات الكبيرة بين اعضاء الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة وهو ما يدفع حقيقة للشك" الفرق بين المجلسين من جهته أكد المؤرخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر الاستاذ خالد عبيد ان مجلسي سنة 1956 و المنتظر لسنة 2011 يتفقان في انهما يؤسسان لمرحلة جديدة مغايرة عن التي سبقتها حيث يقول :»اذا كان المجلس الاول اسس لفترة نهاية الاستعمار و بداية عهد دولة الاستقلال فان المجلس الثاني المنتظر تاسيسه يراد له ان يؤسس لفترة نهاية الدكتاتورية والقطع الجذري مع تجاوزات دولة الاستقلال لذلك فهذان المجلسان يشتركان في الظرفية السياسية حيث يسعيان للتاسيس لمرحلة جديدة." ويضيف الاستاذ عبيد قائلا:"هناك فرق بين المجلسين حيث خرجت تونس من هيمنة استعمارية خارجية و ترغب في تأصيل كيانها كدولة قائمة الذات بالنسبة للمجلس الاول ، في حين ان في الثاني المنتظر خرج الشعب من هيمنة الدولة ذاتها واستبدادها على التونسيين واستنزافها لمواردهم والاستئثاربها وترغب في تاصيل كيانها كدولة لها مؤسساتها الدستورية الفعلية و كحامية حقيقية للحريات ومبادئ حقوق الانسان وهو ما غاب في عهد بن علي." التدخل الخارجي يواصل الاستاذ خالد عبيد حديثه فقال :"لم تكن الظرفية التي تاسس فيها المجلس الاول كما الثاني بالمواتية بل ثمة تحديات ؛ فالاول تميزت فترته بصعوبات داخلية فالبلاد على شفا حرب اهلية كما ان التحديات التي تفرضها فرنسا لم تنقطع باعتباران الجلاء لم يتم بعد و قد تجلى ذلك في توترات بين فرنسا و تونس بالاضافة الى ان الوضع على الحدود الغربية للبلاد كان يتطلب تعبئة كبيرة للدولة الناشئة قصد حماية حدودها و حماية الجزائريين ودعمهم من اجل تحرير بلدهم. اما بالنسبة للثاني المنتظر فالتحديات المفروضة عليه هي داخلية وهي كيفية انجاح الثورة وانقاذها والعمل على منع محاولات الالتفاف عليها و مصادرتها وامتصاص شعاراتها لإفراغها من ثوريتها من خلال سن قوانين وارساء نظام يقطع نهائيا مع الماضي." ان ما تمر به بلادنا في هذا الظرف يستدعي وقفة حازمة من الجميع (خاصة الفرقاء السياسيين و بقية مكونات المجتمع المدني ) للعبور بتونس الى برالسلام بدل التشدد في المواقف وعدم قبول الآخر والتباطؤ في اتخاذ خطوات هامة قد يدخل البلاد في متاهات نحن في غنى عنها.ان العامل الاساسي الذي من المنتظر ان يصنع الفارق في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا هو وعي التونسي والسياسي باهمية العبور الى برالسلام في اسرع وقت ودون حسابات ضيقة بل وضع مصلحة تونس فوق كل اعتبار.