لئن حظي المشهد السياسي وما رافقه من حراك اجتماعي وتجاذبات وتصاعد لمواقف وظواهر وسلوكات إثر إنجاز ثورة الشباب في تونس... بأولويات الاهتمام في وسائل الإعلام، فإن الطفل ظل شبه مغيبا - تقريبا- رغم أنه طرف فاعل في الحدث ومتفاعلا معه ومستشرفا لتداعياته. مما جعل المبادرة التي قدمتها قناة الجزيرة للأطفال مساء أول أمس تكون استثناء باعتبار أن الحلقة الأخيرة من برنامج «أطفالنا» فسحت لهذه الشريحة من المجتمع التونسي المجال للحديث عن الثورة والإدلاء بدلوهم في مستجدات الأحداث والتطورات السياسية... بتلقائية الطفولة المعهودة دون تنميق للمشهد لأغراض «تحزّبية» أو تزييف للمشاعر والآراء خدمة لأنظمة وأفكار... وما يحسب لهذا البرنامج أنه استطاع أن يكشف عن وجهات نظر هذه الفئات من خلال تشريك أطفال من مختلف جهات البلاد التونسية في الحلقة التي تم تصويرها بفضاء المدرسة الصادقية بالعاصمة- التي تخرجت منها كفاءات تمثل النخب الفكرية والثقافية في تونس وما يحمله المكان من أبعاد رمزية وتاريخية. فكان ظهور الطفل التونسي في صورة العنصر الفاعل في المجتمع وأحد ركائزه الأساسية من منطلق أن الواقع قد تشابكت خطوطه ولا تزال بصدد التأسيس والتباحث... إلا أن المستقبل لا يزال بصدد التشكل وهؤلاء هم الفئة المستهدفة من التغيرات التي حصلت فكان أن تم إتاحة مناسبة لتشريكهم في التفاعل مع الحدث والتأسيس للواقع والمستقبل من خلال الأسئلة التي طرحت في البرنامج من قبيل كيف تفاعل الأطفال مع الثورة في تونس وماهو تأثيرها عليهم. فكانت مناسبة للوقوف على مواقف هذه الفئة وتطلعاتها تجاه البلاد وفي ذلك إحالة ضمنية إلى ضرورة مراعاة مواقف ومطالب -الثوار الصغار- كما إرتأى البعض تسميتهم فتطرقوا لجملة من المسائل المصيرية كالوضع الذي عرفته البلاد أثناء مجرى الأحداث في الثورة وبعدها واستنكروا مظاهر الفوضى والسلوكات السلبية لرموز الفساد وتحدثوا وبلغة -الكبار- وانتقدوا واستشرفوا -بطموح الأطفال - واقعا ومستقبلا كفيلا بضمان حياة كريمة وحرة بعيدا عن الإملاءات والتهميش... لمختلف الفئات والجهات معتبرين ان تونس بلد للجميع. وما أثرى المواضيع المطروحة في هذا البرنامج حضور أطراف من مختلف الأجيال لاسيما بعض الوجوه التي تعد رموزا للثورة كالمحامي عبد الناصر العلويني الذي هتف بفرار بن علي وأحمد الحفناوي صاحب عبارة : « هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية» ووالد الشهيد حاتم بالطاهر وغيرهم.. والملفت في هذه الحلقة أنها كشفت عن أفكار شباب مفعمة بالطموحات وتؤشر لواقع اجتماعي وسياسي مختلف عن الراهن.