هناك مثل عامي شهير يقول "طارت السكرة وحضرت المداينية" ..هذا المثل يضرب في الشخص الذي يعود للواقع ويواجه المشاكل حاله حال السكير الذي يصحو من سكره ويجد دائنيه واقفين أمامه وهو حال السواد الأعظم من الشعب التونسي حيث طارت نشوة الاحتفالات بالثورة وبإسقاط النظام الديكتاتوري والبعض من أذياله ( أقول البعض لأن الكثير ممن دانوا بالولاء للنظام البائد مازالوا يسرحون ويمرحون بعد أن نجحوا بامتياز في اختبار "قلبان الفيستة" ) وجئنا للجد للواقع اليومي الذي ثبت من خلال الممارسات الفوضوية المتكرّرة أننا لم نحقق سوى خطوة للوراء لا تبشر بأي خير... "طارت السكرة" فصدمنا بثورة مضادة ترفع شعار "البراكاجات" والاستيلاءات على بعض الممتلكات العمومية وتوسع رقعة البناء الفوضوي وانتشار "البلطجة" وسريان ظاهرة الأنتصاب العشوائي كالنار في الهشيم وتفشي الخوف إلى درجة بتنا نخرج من بيوتنا في الصباح ولسنا متأكدين من العودة إليها سالمين في المساء وسط أنباء عن تنامي ظاهرة العنف ورفع البعض للواء "ناخذ حقي بيدي" "طارت السكرة" وأضحى معظمنا يترقب موفى الشهر بلهفة خوفا من أن يقال لنا "ما صبّوش" باعتبار الأزمة الخانقة التي تعاني منها الكثير من المؤسسات والإدارات بشقيها العام والخاص .. "طارت السكرة" فرأينا كيف انشغل كثير منّا بتصفية الحسابات والركض وراء الاتهامات ومحاولة خطف الأضواء وجني الثمار واللهث وراء الزعامة. "طارت السكرة" فعادت بنا إلى زمن "ارجع غدوة" وهات رقمك وسنتصل بك لاحقا . "طارت السكرة" فإذا بشبح المثل القائل "اخدم يا تاعس على الراقد الناعس" عاد يتراقص أمامنا ويغتصب حقنا ووقتنا وجهدنا وصحتنا ويزيدنا قهرا على قهر. "طارت السكرة" فاكتشفنا كيف أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وزادت الفرقة بيننا. "طارت السكرة" فلم تصلنا أصداء ملموسة عن تقديم مشاريع تنموية يمكن أن تساهم في دوران العجلة الاقتصادية والحدّ من الاحتجاجات المتواصة للراغبين في الشغل. "طارت السكرة" فألفنا الاعتصامات ومحاولات الانتحار حرقا وركوب الأمواج سرّا بحثا عن "هجّة" إلى ما وراء البحار. "طارت السكرة" وطارت معها آمالنا وهوى صرح أحلامنا على اعتاب أوهام الحرية والديمقراطية.