بعد الشريطين القصيرين «بوتليس» و«الشاق واق» (كان هذا الأخير سببا في إثارة جدل كبير ) يستعد نصر الدين السهيلي لخوض تجربة أخرى في الإخراج السينمائي لكن هذه المرة من خلال شريط سينمائي طويل الأول في رصيده ويحمل عنوان «مر وصبر» ليضاف إلى جملة تجاربه في التمثيل في انتاجات درامية تلفزيونية وأعمال سينمائية... ولئن واجه هذا المخرج الشاب صعوبات كبيرة أثناء إنجازه والترويج للعملين السابقين بسبب جرأته في طرح مواضيع كانت ولازالت تعتبر من المحظورات لدى أطراف لا تعترف بالحق للمبدع في حرية التعبير...فإن الشريط الجديد يعتبر استثنائيا من حيث الظرفية التي سينجز فيها والظروف الحافة بذلك حسب ما أقر بذلك مخرج الفيلم وكاتب السيناريو في حديثه لنا عن هذا العمل الذي قيل عنه الكثير قبل أن يرى النور.
لا للتواكل نعم للإبداع
نفى مخرج «مر وصبر» أن يكون تحصل على الدعم رغم تقديمه طلبا في الغرض لإنجاز هذا الشريط أو غيره من الأعمال خلال مسيرته في الميدان موضحا: «أنا لست من المتواكلين على الدولة أو أجهزتها وفلسفتي في الحياة هي الاعتماد على الذات والنضال من أجل إنجاز عمل يتنزل في خانة الإبداع أو أن يكون مقنعا لأني أعتبر الإبداع لا يتحقق إلا بالعمل المضاعف والنضال بكل ثقة في النفس». وفيما يتعلق بهذا الشريط أفاد نصر الدين السهيلي أن الفيلم يعالج قضايا اجتماعية لا تزال مطروحة في المجتمع التونسي، فانطلاقا من قصة حب تجمع طالبة (حياة) وشابا عاطلا عن العمل (منير) يتطرق الشريط على امتداد أكثر من ساعة ونصف إلى جملة من المسائل الحافة بالشباب الذي ينتمي للطبقة السفلية بالعاصمة وعالم الليل. مبينا أنه كتب هذا السيناريو قبل الثورة ولم يشأ أن يدخل عليه أي تحوير أو تعديل باستثناء بعض «الرتوش» المتعلقة بمصطلحات معينة الهدف منها تحسين الحوار في إطار تطوير هذا المشروع السينمائي. مؤكدا أنه لم يمارس أي رقابة على نفسه في العمل رغم الضغوط التي عانى منها قبل تاريخ 14 جانفي بل أطلق العنان لتعبيرته ورؤيته السينمائية معتبرا هذا العمل خلاصة طموح ورهان عملي فني بحت.
أولوية المبدع
من جهة أخرى اعتبر نصر الدين السهيلي أن إقدامه مبكرا على خوض تجارب في الإخراج كان بدافع حب الميدان وعشقه للوقوف خلف الكاميرا لا أمامها متحديا الصعوبات والعراقيل ديدنه في ذلك الوصول إلى نيل استحسان المتلقي بدرجة أولى. وبسؤاله عن الشروط التي يعتبرها ضرورية لضمان إنتاج عمل متكامل بقطع النظر عن صاحبه أجاب محدثنا: «وجب مراجعة جملة من المسائل الذاتية والقانونية بالنسبة للعاملين في القطاع لعل أبرزها أن نلغي من الأذهان وجود الرقيب والعائل الذي تخصصه الوزارة لأي عمل بعد أن طالبنا بذلك منذ سنوات. فبوضع حد «للبوليس» السياسي والثقافي والاعتماد على الذات في النقد والمراقبة لأعمالنا فضلا عن فسح المجال لرقابة أهل الميدان ووسائل الإعلام ثم الجمهور ولا دخل لطرف ثالث، يمكن أن نتوصل إلى إنتاج أعمال متميزة وتقطع مع الرداءة في الصورة والنص». ودعا نصر الدين السهيلي الفاعلين في قطاع الفن السابع إلى ضرورة إعادة النظر في المسائل الحافة بالميدان والابتعاد عن المطلبية في مسار الهيكلة وإعادة التأسيس لاسيما في ظل المرحلة الانتقالية قائلا: «بلادنا في ظل هذه الظروف حبلى بالأحداث فحتى الثورة لم تكتمل بعد لذا من واجبنا كسينمائيين مواكبة التحولات والأطوار بالحضور والمراقبة والتحليل وذلك من خلال تقديم سينما جديدة وأعتقد أن ذلك مشروعي الذي حلمت به قبل الثورة لأني أعتبر أن كل مرحلة تطور المجتمع يكون فيها الفنان مطالبا بالمشاركة وتسجيل حضوره». لذلك اعتبر أن دخول السينمائيين في تجاذبات واختلافات في الوقت الراهن مسألة تجعله في موقف العاجز عن فهم الواقع أو القادر على تفسيره خاصة أنه وضع يعكس ما يعيشه الشارع التونسي لذلك دعا إلى ضرورة الاتجاه الى العمل لا غير وتأجيل الخلافات إلى مرحلة أخرى. وعن سؤال حول الجمع بين الإخراج والتمثيل وأيهما أقرب إليه أفاد نصر السهيلي أن الممثل موجود وهو يقف إلى جانب المخرج يوجهه ويساعده ولا يستطيع ان يفصل بينهما.