التناصف لن يجلب 50 بالمائة من النساء للمجلس التأسيسي منوبية بن غذاهم هي حفيدة علي بن غذاهم مشاركة مستقلة فاعلة في ثورة تونس وفي اعتصامات القصبة وفي المنتديات واللقاءات والاجتماعات التي تعقدها منظمات المجتمع المدني والأحزاب للوصول بالثورة إلى أهدافها ولإرساء نظام حكم يقطع مع الظلم والاستبداد ويحفظ كرامة التونسي والتونسية على حد سواء... وهي أستاذة جامعية مختصة في اللغة والآداب الفرنسية ولها اهتمامات متعددة وخاصة الأدب والحضارة التونسية، صدر لها كتاب «الطاهر الحداد وردود فعل الصحافة باللغة الفرنسية» والذي حظي بمرتبة أحسن مبيعات في تونس سنة 2009 وتستعد حاليا لنشر كتاب عن علي الدعاجي. ومنوبية بن غذاهم واعتمادا على ما أجرته من دراسات وما تكون لديها من معلومات وضعت الثورة التونسية في إطارها وربطت بينها وبين ما شهدته تونس من قبل من ثورات وأكدت على ان لها امتدادا ورابطا عضويا مع فكر الطاهر الحداد هذا الاسم الذي لا يفارق لسانها في كل ما تقدمه من محاضرات، «الصباح» التقتها وسالتها.
لان الحداد يمتاز بشخصية المفكر الذي شخص الوضع في البلاد التونسية في اواخر سنواته في الزيتونة حين كانت الزيتونة محضنة للفكر المتنورفي تونس. وفكر الحداد إذا أردنا أن نلخصه نجد انه أكد على ضرورة وجود بعد سياسي (ساهم في تأسيس الحزب الدستوري الأول سنة 1920) وعلى أهمية العمال في الوطن (أسس مع محمد علي الحامي أول نقابة عمال عربية سنة 1925) وعلى أهمية تعليم المرأة وأهمية دورها في المجتمع وأهمية تعليم المجتمع (كتب مشروع اصلاح التعليم الزيتوني) وهذه هي الآليات الأربع التي بنى عليها بورقيبة الدولة التونسية الحديثة وإذا لم تتطورالبلدان العربية مثلنا فلأنها همشت إحدى هذه النقاط أما بن علي فقامت ضده ثورة الكرامة لأنه استغنى عن بعض هذه النقاط الركائز وهمش الأخرى مثل ضربه للنقابات، وتهميشه للتعليم ومنعه للعمل السياسي إلا إذا كان لصالحه هو وحده. أما عن مكتسبات المرأة فهي بورقيبية وبن علي لعب على ذلك. إذن ثورة 14 جانفي كانت تاريخيا حتمية.
ثورة بن غذاهم امتد صداها من المغرب الى السودان
أذكر جيدا انك صرحت في نادي الطاهر الحداد في مارس 2010 إبان تقديم كتابك بان أحداث الحوض المنجمي لسنة 2008 لن تكون لها نقطة نهاية وإنما هي بداية وأنها لن تمر دون تبعات؟
ما حدث في الحوض المنجمي كان بمثابة ناقوس الخطر فمن يقرأ التاريخ يعرف ان تونس خرجت منها ثورات كبيرة وكلها شعبية. فسنة 1864 كانت ثورة جدي علي بن غذاهم وخاصيتها ان الشعب وقتها ثار ضد النظام كما حدث اليوم ولكنها كانت سابقة لأوانها لذا فشلت ولم تحقق أهدافها وبقيت كحلم جميل. وثورة بن غذاهم كانت ضد حكم لا يمثل الشعب لذا وجدت صدى لها من المغرب إلى السودان كثورة عبد الكريم في المغرب الأقصى سنة 1905 الذي كان يقول: « أنا ابن بن غذاهم» مثلما يصير اليوم في العالم العربي اذا الشعوب متماثلة والطغاة أيضا والذي يثور يثور على الكل وهو ما حدث أيضا بالنسبة لحركات التحرير في العالم لان متطلبات الشعوب واحدة ولكن بقيت تونس هي دوما السباقة وبقيت ثوراتها دائما ثورات الشعب ضد القيادة وهنا أود أن اذكر بمئوية حوادث الزلاج 1911 وان أقول ان زين العابدين بن علي لو كان مثقفا قارئا للتاريخ لعرف مدى خطورة حوادث الحوض المنجمي ولعرف ان الشعب إذا تحرك فإما أن تعطيه حقه أوانك سترحل خاصة وانه ليس لنا ومنذ قرون جيش يطيح برئيس وإنما لنا مدنية قديمة جدا هي التي كانت وما زالت تقول كلمتها.
وماذا بعد هذه الثورة ؟
انطلق من ان هذه الثورة هي ثورة شعب بكل مكوناته الشباب والكهول والشيوخ النساء والرجال المتعلمين وغير المتعلمين ورجال الأعمال سواء الذين التحقوا بالمظاهرات والاعتصامات أو الذين سرحوا عملتهم ليساهموا ومكنوهم من أجرة أيامهم التي ناضلوا فيها كل هذا يجعلنا نرفض إقصاء أي طرف من الشعب.
والتجمع أيضا ؟
رموز التجمع كانوا ضد الثورة هذا أكيد أما عامة التجمعيين فإنهم انتهازيون لا يخاف منهم ولاعليهم (يسلكونها مع الكل) أما بقية القوى والأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني فمن يسعى لإقصائهم فانا ابشره بالفشل ان آجلا اوعاجلا لان مشكلتنا اليوم هي مشكلة بناء وطن على أسس صحيحة طبق الحداثة ونحن لم نستورد الحداثة وإنما أسس لها الطاهر الحداد منذ النصف الأول للقرن العشرين. ان أي قيادة ترى مصالح غير مصالح تونس وتربطنا بأي تياررجعي او بأي دول أخرى اليوم فهي قيادة خائنة وأتحمل مسؤوليتي فنحن في تونس كنا ومازلنا نموذجا وحالة خاصة لا احد يماثلنا اوأحسن منا بل ظروفه مختلفة عنا. النهضة ساندت التناصف لأنها حزب سياسي مستعد لكل الاحتمالات وخصوصية تونس انها لم تقص المرأة من الحياة العامة (انظروا إلى صور ثورة 14 جانفي) ويكفي هنا ان اذكر بالصداق القيرواني لذا معلوم ان نجد النساء في الهيئة العليا لحماية الثورة ولان تونس حالة خاصة حتى على المستوى العالمي ونحن البلد الأول الذي اعتمد مبدأ التناصف في الانتخابات واحيي هنا الرجال الذين ساندونا وصوتوا للتناصف. هؤلاء تصرفوا طبقا لمبادئهم وهويتهم التونسية ولثورة الكرامة فللمرأة حق لا يتجزأ وكرامة المرأة من كرامة الرجل.
قال البعض أن التناصف إهانة وجهت للمرأة هل من تفسير؟
وضع المرأة في تونس صعب وخاصة داخل الجمهورية والتناصف فرصة لإثبات وجودها ولا ينقص من قدرها.
سمعنا ان حركة النهضة لم تعارض التناصف على عكس بعض الأحزاب التي كانت دائما تلوح بالتقدمية ومساندة المرأة.
النهضة ساندت التناصف لأنها حزب سياسي وليست حزبا دينيا وهي مستعدة سياسيا لكل الاحتمالات ولها كل المكونات بداية من الشخص الذي يرأس وصولا إلى صفحة الفايس بوك ذات الرابط التجاري. وهذه الفاعلية ناتجة عن الوعي السياسي الذي تكون للشيخ راشد الغنوشي الذي عاش في أوروبا بلد العلمانية ومارس في انقلترا حقه كاملا ونشط وكتب وعاش الأمن لان القوانين في البلدان العلمانية حمته.
وهل انتن كسيدات مستقلات تنشطن في منظمات المجتمع المدني تؤمن بالتناصف كحل لوضعية المرأة ولماذا؟
إذا اعتقدنا ان التناصف سيجلب 50 بالمائة من النساء للمجلس التأسيسي فهذا حلم غير واقعي ولكن بصفته قانونا فهذا كسب كبير للمرأة وللمجتمع خاصة.
انتن تلقين باللوم على الإعلام التونسي لأنه لم يهلل للتناصف كما فعل الإعلام في البلدان الأوروبية وكما حدث في المغرب؟
هذه الثورة غيرت أشياء كثيرة ومكنت الناس من الكلام وحرية التعبير إلى درجة ان بعضهم أصبح يهذي في الطريق العام وهذا شيء أحبه، بقي أنني متأسفة لتلعثم الإعلام بصفة عامة وخاصة في تعاطيه مع مبدإ التناصف.
كتبت التاريخ والحضارة ونقدت الأوضاع الاجتماعية فكيف ستتعاملين مع ذاكرة 14 جانفي؟
كونت أرشيفا متنوعا من ناحية الكم والكيف ولكنني اعتقد ان الوقت لم يحن وانه يجب ان تمر مدة كافية لتنقشع الضبابية التي تلف المعلومة اليوم لأننا دون شفافية لا يمكن ان نؤرخ الحقيقة ويمكن ان نخطأ ونتسبب في خطإ الآخرين لذا فمشروع النشراليوم مؤجل إلى حين. اليوم وقت عمل وتأسيس لتونس الغد لنفي بوعدنا للثورة: حرية وكرامة.