كثيرة هي الأموال والشركات مختلفة النشاط وفي كل المجالات، التي نهبها «المخلوع» وأذنابه وأصهاره والمقربون إليهم والمقربون إلى المقربين.. كل هؤلاء متورطون إلى أمهات أعينهم، وإلى أخماص أقدامهم في السطو والاستحواذ ونهب الأموال العامة والخاصة، والعقارات والشركات.. وحتى البحر لم يسلم من نهب هؤلاء... وجاءت الثورة لتضع حدا للتصرفات اللاقانونية واللاشرعية لتلك العصابة «البنعلية» والعصابات المتفرعة عنها وأخواتها وأصهارها، فتمت مصادرة كل المكتسبات المنهوبة، مالية كانت أو عينية أو عقارية، ثم تم تعيين متصرفين قضائيين أو مؤتمنين عدليين على جميع تلك «المكتسبات»... وباعتبار أن هذا السلك تكثف وجوده منذ مدة وهو أحد إفرازات الثورة التي عاشتها بلادنا، هناك أسئلة تبرز بالحاح، مؤداها: من هو المتصرف القضائي؟.. ومن هو المؤتمن العدلي؟.. وما هي شروط ومقاييس تعيينهما؟.. وفيم تتمثل مسؤوليتهما؟.. وما هي المشاكل والإشكاليات التي قد تعترضهما عند قيامهما بمهامهما؟.. «الصباح» فتحت هذا السلك لتوضيح خدماته والمهام المنوطة بعهدته.. والعراقيل التي قد تعترضه؟..
ملف من إعداد: عمار النميري
«المتصرف القضائي يتم تعيينه على رأس الشركات ليسير يوميا أعمالها الإدارية والمالية، في حين أن المؤتمن العدلي يتم تعيينه على الأملاك الخاصة، وكل ما يتعلق بالذمة المالية للشخص المسلط عليه حكم.. ويتم ذلك بموجب حكم استعجالي بطلب من كل صاحب مصلحة أو صفة سواء كان المكلف بنزاعات الدولة، في ما يخص أملاكها أو الأملاك التي وضعت يدها عليها، أو من أي دائن سواء كان بنكا أو عملة لا سيما في خصوص الشركات التي يكون القسط الأوفر في رأسمالها ملكا لأحد العمال أو مجموعة منهم»...
خطر.. وتأكد
هذا ما أفادنا به مصدر قضائي موثوق، موضحا «أنه من الضروري مراعاة عنصر الخطر والتأكد، إذ يمكن لبعض الوكلاء أو من شابههم تهريب أموال، أو منقولات ثمينة، ومن هنا لا بد من تعيين متصرف قضائي أو مؤتمن عدلي على الشركة المعنية بعنوان تدبير احترازي، أو بالأحرى وسيلة احترازية، وقائية لتفادي تهريب الأموال، وبالتالي ضمان حقوق الدولة وحقوق الشعب»..
وهل هناك إشكاليات وعراقيل تعترض أعمال المتصرف القضائي أو المؤتمن العدلي؟
إجابة عن هذا السؤال يقول مصدرنا: «فعلا هناك عديد الإشكاليات، في ما يخص عمل هذا السلك، وهي مطروحة أكثر في مجال التصرف القضائي في الشركات المصادرة، فالمتصرف القضائي أو المؤتمن العدلي يعود بالنظر في كل كبيرة أو صغيرة في تصرفاته للقاضي المراقب وخاصة في صرف الأموال، وحتى إن تعلق الأمر بالمصاريف اليومية (فاتورات.. وصولات طلبية.. وصولات تسليم..) فلا بد أن يحصل على إذن بذلك من القاضي المراقب.. وكذلك لابد أن يكون كل صرف مالي مصاحبا بكشف حساب بنكي للشركة...
ولي أمر
ولتوضيح مهمة المؤتمن العدلي تؤكد مصادرنا «أنه عبارة عن ولي أمر أي شخص طبيعي مسلط عليه حكم، فهو يتصرف بصفة شخصية في جميع ما يتعلق بالذمة المالية للمحكوم عليه ويشمل هذا التصرف كل شيء حتى مصاريف الحياة اليومية الخاصة، واتخاذ جميع الإجراءات حفاظا على الذمة المالية للشخص المسلط عليه حكم».. ويجدر التأكيد على أن المتصرف القضائي أو المؤتمن العدلي يعمل بالضرورة تحت رقابة القضاء، ومن هنا لا يملك سلطة الملاءمة في اتخاذ القرارات التي تؤثر سلبا على الذمة المالية للشركة (شخص معنوي)، وبالتالي قطع أي تصرف سلبي (رشوة.. بيع مشبوه.. أو غير ذلك من الأعمال اللاقانونية...). ومن الإشكاليات المطروحة أيضا، حسب مصادرنا، معارضة بعض الرؤساء المديرين العامين أو وكلاء الشركات، لتعيين متصرفين قضائيين، على رأس الشركات التي لم يكن فيها الأشخاص المشبوهون في سلطة القرار الإداري الرسمي، حتى وإن كانوا يملكون أغلبية المساهمات.. وكذلك هناك إشكال آخر يتمثل في تناقض أعمال المتصرف القضائي على شركات يملك فيها شخص معين مساهمات، وأعمال المؤتمن العدلي على نفس الشخص.. وأيضا عدم التنسيق بين المتصرفين القضائيين المعينين على شركات يملك فيها شخص واحد عدة مساهمات... وهناك إشكال آخر يستحق النظر ثم النظر بتمحيص، وهو تجميد الحسابات البنكية للأشخاص المشبوه فيهم، إذ لم يقع إلى حد اليوم تجميد حسابات عدد كبير من المشبوه فيهم..
البنوك غير متفهمة
وأما الإشكال الأكبر والمعرقل لعمل المتصرفين القضائيين والمؤتمنين العدليين، فيتمثل، حسب مصادرنا، في طلب جرد حسابات الشخص المؤتمن عليه، إذ يبدو ان البنوك غير متفهمة لمهمة المؤتمن العدلي المكلف قانونا بجرد ممتلكات وأموال الشخص المؤتمن عليه، وحصرها والحفاظ عليها، وبالتالي فهو يعوض، قانونا، الشخص المؤتمن عليه في التصرف بمعنى أنه عند تقديم طلب الاسترشاد حول وجود حساب بنكي أو منقولات للشخص المؤتمن عليه، من عدمه، فإنه يتعين على البنك التعامل مع المؤتمن العدلي، أو المتصرف القضائي، على أنه حريفها (صاحب الحساب)، وعلى أنه ضامن لأموال الشعب والدولة تحت مراقبة القضاء، ولكن الكثير من البنوك لا تتعامل مع المتصرف القضائي بشكل مرن وتعاوني وشفاف في هذا الشأن... وتشير مصادرنا إلى أن قائمة المصادرة أموالهم، مفتوحة وغير حصرية، وبالتالي فإن هناك تساؤلا يطرح في هذا الصدد وهو: متى ستكتمل هذه القائمة؟ واستنادا إلى أية معايير ستتم إضافة أسماء أخرى للقائمة ومن هم المقربون من المشبوه فيهم؟ وهل يمكن الكشف عن هؤلاء المقربين استنادا إلى أبحاث جزائية وأحكام قضائية تثبت تورط أشخاص آخرين غير المذكورين بالقائمة المورطين في الفساد بمفهومه العام بعد الثورة..
أسئلة عديدة
كما أن هناك إشكالا آخر يطرح بخصوص مجال تطبيق المرسوم إذ ذكر به أنه يتعلق بمصادرة أموال مجموعة من الأشخاص.. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: «هل أن الاموال المعنية بالمصادرة هي الأموال الخاصة فحسب بالأشخاص المعنيين، والتي يشرف عليها المؤتمنون العدليون، أم أن الامر يتعلق بجميع الأموال (المنقولات والعقارات وغيرها).. سواء كانت خاصة أو في صورة مساهمات في الشركات؟ والمقصود هنا تحديد المساهمات في شركات لا يملك فيها الشخص المعني وعائلته كامل رأس المال، أو الشركات المعتبرة عائلية والمقصورة على مساهمات العائلة فحسب. وتؤكد مصادرنا، أن لجنة المصادرة التي تم تشكيلها مؤخرا، هي التي ستعوض القضاء في الإشراف على الشركات التي يتولى تسييرها إداريا وماليا متصرفون قضائيون ومؤتمنون عدليون، الذين تقدر أجرتهم حسب مصادرنا، على أساس مجهوداتهم وأعمالهم... وقد صرفت لهم جميعا تسبقات مالية في انتظار انتهاء مهامهم غير المحددة زمنيا.. وحول الشركات المصادرة، هناك عدة أسئلة قابلة للطرح منها: هل، قامت الشركات التابعة للمخلوع وعائلته وأصهاره بتصاريحها الجبائية في الوقت المحدد؟ وعلى فرض ذلك، فهل أن تصاريحها كانت إيجابية أم سلبية؟.. هذا في ما يخص الضريبة على الشركات، أما في ما يتعلق بمعاليم التسجيل، فهل أن عقود التفويت في العقارات واقتناءها وقع التصريح به طبق القيمة الحقيقية للعقارات المصرح بها أم لا؟.. وهذا إشكال آخر ضخم قد تكون لنا عودة له...