نزار مقني قد لا يعني الإتجاه للذهاب نحو محادثات سلام وفق المنظور الإسرائيلي الذي يدعو إلى التفاهم حول حدود مؤقتة لدولة فلسطينية اليوم في نظر الحكومة الإسرائيلية الحالية إلا فرارا وضربا من ضروب نجاح الديبلوماسية الفلسطينية التي بدأت تشحذ أمصال سيوفها للقاء ممثلي المجموعة الرباعية، وفرض مرجعية سلام قائمة على أساس الخط الزمني والمكاني القائم قبل 4 جوان 1967... وهو ما جعل تل أبيب تشعر بعزلة دولية فرضتها الظروف الإقليمية والدولية الراهنة مع التغيرات الكبيرة التي طالت مراكز القرار في العالم العربي، وقد عبر عنه شيمون بيريز الذي نقلت عنه صحيفة معاريف في بداية الأسبوع تخوفاته من ذلك الوضع السياسي الخطير، وأكده إيهود باراك في محاضرته في معهد الأمن القومي الإسرائيلي وكلية أركان الجيش.
اتجاهات الحل الإسرائيلي
من هنا يمكن ملاحظة الإتجاه الإسرائيلي الذي يقوم على نقطتين للخروج من هذا الموقف الدولي المقلق والعزلة الدولية المفروضة ومحاولة إعادة ما أسقطته أمواج المد السياسي العربية إلى مربع ما قبل ديسمبر 2010: * اتجاه أول يخرج من المحاولات المتكررة للمجتمع السياسي الإسرائيلي للظهور بدور الضحية من كل ما يحدث من أحداث على المستوى الإقليمي، وهو ما تحاول استغلاله للخروج من عنق الزجاجة الذي أصبحت تحس بضيقه كل يوم بعد سقوط حسني مبارك في مصر، وازدياد الضغط السياسي الشعبي على الحكومة الأردنية التي أضحت تضم عناصر من المعارضة الإسلامية التي تخشاها إسرائيل، وكذلك ما يذكيه الإتجاه الديبلوماسي الأوروبي من ضغوط متزايدة مع بداية ديناميكية جديدة على مستوى وزراء الخارجية لإيجاد خطة سلام جديدة بمرجعية 67، بعد أن سقطت ورقة مجلس الأمن في أعقاب الفيتو الأمريكي على قرار إدانة الإستيطان. هذا الإتجاه الأول بدأ بعد عملية مستوطنة إيتمار التي ذبحت فيها عائلة صهيونية بسكين أحد الفلسطينيين، والتي بدأت إسرائيل في استغلالها سياسيا، عبر المسارعة إلى التقدم بشوى إلى مجلس الأمن، وكان هذا ذريعة جديدة لحشد ديبلوماسي صهيوني في نيويورك، ونقطة ضغط للوبي الصهيوني على إدارة البيت الأبيض. * الإتجاه الثاني وهو اتجاه الحشد العسكري الذي بدأ يلوح في الضفة الغربية وهو اتجاه بدأ منذ فترة يشكل ثقلا على آخذ القرار السياسي. ففي الآونة الأخيرة قالت إسرائيل أنها كشفت شحنة صواريخ صينية مضادة للبوارج الحربية كانت متجهة لميناء العريش في سيناء مصر قبل تهريبها إلى غزة على متن سفينة مملوكة لأحد اللبنانيين زاعمة أنها انطلقت من ميناء اللاذقية السوري إلى مرسين التركية، ومنها ذهبت تل أبيب بكامل ثقلها الديبلوماسي إلى مجلس الأمن ممثلة بوزير خارجيتها «البواب» أفيغدور ليبرمان، لتقدم شكوى أخرى ضد إيران وسوريا بعد اتهام إسرائيلي بأنهما وراء هذه العملية. ولعل ماكشفت عنه صحيفة يديعوت أحرنوت من أن الأوساط الإستخبارية الإسرائيلية تعيش في حالة من الفزع من الأسلحة التي أضحت في يد المقاومة في غزة يشير فعلا إلى أن الإتجاه العسكري والبعد الأمني هو الذي بات يشكل الطريق الأول اليوم للرد على ما يدور حول إسرائيل من انفجارات سياسية أتت على أبرز خصائص العمق الإستراتيجي الأمني الذي كان يضمن للكيان الصهيوني التفوق السياسي في أخذ القرار السياسي في أية عملية سلام أو تسوية صراع مع بلدان التماس المباشر، فالصورة تشير إلى أن العلاقات مع الأردن فترت، فلمدة شهرين لم يوجد سفير أردني في تل أبيب، وذلك بعد التلاسن الذي وقع بين وزراء إسلاميين والمسؤولين الصهاينة، كما أن العلاقات مع مصر فترت بعد سقوط حسني مبارك وبداية مرحلة جديدة من التكتلات بين المحاور العربية التي كانت قائمة قبل بداية عام 2011، بدأت باجتماع ذي صبغة أمنية بين الرئيس السوري بشار الأسد ومدير المخابرات العامة المصرية الجنرال مراد الموافي والذي اقترن مع اكتشاف مصر لشبكة تجسس تابعة للموساد ضلع فيها سوري وأردني ومصريون.
ديناميكية فلسطينية جديدة
ولعل الحاصل على مستوى التكتلات الجديدة الإقليمية التي أتت بها الثورات العربية انطبع جيدا على الديناميكية السياسية الفلسطينية الجديدة، والإتجاه الفلسطيني نحو تحقيق مطلب شعبي هام استغله الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن بدهاء منقطع النظير استطاع من خلاله توجيه الغضب الشعبي من الأداء السياسي الفلسطيني لصالح المطالبة بالمصالحة مع سلطة حماس في غزة وسرعان ما امتثل لطموحات الشعب المنقسم وأعد وفدا من الفتحاويين وزعماء حركة حماس في الضفة للإتجاه نحو غزة، وهو ما تسبب في فورة سياسية كبيرة على المستوى السياسي الإسرائيلي اتضح جيدا فيما عبر عنه بنيامين نتنياهو في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، حيث قال أنه لن تكون هناك محادثات سلام إذا ما ذهبت السلطة لتكوين حكومة وحدة وطنية مع حماس. ولعل هذا الموقف يعكس مدى الإتجاه الجديد الذي أخذ يسلكه عباس للضغط على المفاوض الإسرائيلي، ولعل هذا هو الطريق الصحيح سياسيا لتحقيق نقاط على أرض توفر للمفاوض الفلسطيني عمقا على الميدان في فرض مقراراته على الإسرائيليين في أية مفاوضات حول الحل السياسي وخاصة تجميد الإستيطان أو إيقافه والتفاوض حول الدولة الفلسطينية الموعودة على حدود ما قبل جوان 1967. ولعل هذا الأسلوب هو نفس الأسلوب الإسرائيلي الذي ميز الجانب الإسرائيلي في أية مفاوضات وهو الأمر الواقع.
التأثير والوعيد
طريقة بدأت في إعطاء تأثيرها الإستراتيجي على الحكومة الإسرائيلية التي تحس الآن بالعزلة الدولية، من أوروبا خاصة والتي أخذت تنظر إلى التطورات الإقليمية بمنظور أوروبي جديد بعيد عن النظرة الأمريكية للأوضاع في الشرق الأوسط، وفي مرحلة أخرى من الولاياتالمتحدة التي يبدو أن الفيتو الذي أقرته في مجلس الأمن جعل ديبلوماسيتها تتجه أكثر نحو الضغط على الإئتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل. الضغط الفلسطيني بدا واضحا في التهديدات الهستيرية التي كالها بنيامين نتنياهو للسلطة الفلسطينية متهما إياها بالإتجاه للتحالف مع الإرهاب، ومتوعدا بأنه لن يلتزم بأية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني إذا شملت الحكومة الفلسطينية المقبلة أعضاء من حماس. إن الإتجاه الإسرائيلي للتوجه لمجلس الأمن يعتبر مناورة سياسية جديدة تهدف لتحقيق نقطتين اثنين: * قطع الطريق بين سوريا وإيران من جهة وحركات المقاومة الفلسطينية في القطاع والضغط دوليا لتشمل العقوبات الدولية المفروض على الحرس الثوري، كذلك الجيش السوري في خطوة لقطع الإمدادات على غزة بعد أن أصبحت سيناء مرتعا حرا لمهربي الأسلحة الآتية من ميناء بندر عباس على السواحل الإيرانية والتي عادة ما تستعمل السودان كواجهة أولى للأسلحة قبل تهريبها لغزة من الجنوب، إلا أن الإتجاه الجديد الآتي من الشمال، أي من الطريق إيران- تركيا- سوريا- العريش-غزة، يعتبر طريقا جديدا، استطاعت من خلاله إسرائيل أن توفر غطاء أخلاقيا لعملية لقرصنة التي قامت بها في جوان الماضي ضد نشطاء سفينة مرمرة التركية في نطاق أسطول الحرة لكسر الحصار، وهو ما سيستعمله ليبرمان عند مناقشة مشروع القرار الإسرائيلي ضد إيران وسوريا. *اتجاه ثان يكمن في بث بروبغندا سياسية ضد مشروع المصالحة الفلسطيني وقطع الطريق على حركة حماس، وذلك باعتماد قرار من مجلس الأمن الدولي لضرب سلاح المقاومة، وذلك للمحافظة على حالة الإنقسام التي تعتبر نتيجة سعت إسرائيل إليها لبث الفرقة في الصف الفلسطيني. ولعل توصل إسرائيل في هذه المرحلة لتحقيق هذين الهدفين سيجعلها تتمكن من إيجاد فتحة جديدة في أوروبا أو أمريكا لإعادة فرض سياستها من الفتحة الدولية للتنفس وذلك في محاولة للتوصل للخروج من عنق الزجاجة، بطريقة سياسية. إلا أن ذلك لا ينفي السعي الإسرائيلي لحسم لأمور عن طريق القوة، وذلك عن طريق عدوان جديد على غزة أو جنوب لبنان في محاولة لإعادة توزيع الأوراق السياسية وفق نظرة إستراتيجية إسرائيلية.