هل هي مسألة حياة أو موت ؟ لا بد من طرح السؤال ونحن على أبواب انتخابات المجلس التأسيسي إن لم تعبث بعض الأيادي بتاريخ 24 جويلية- لأن معظم المراقبين وجدوا أنفسهم في أجواء حملة انتخابية انطلق فيها «الكبار» وحار في أمرها الذين يفتقرون إلى الخبرة والذين يبحثون عن أنفسهم في ساحة سياسية يبدو أنها أصبحت كبيرة جدا تسع كل شيء من الممارسة السياسية العادية إلى الممارسات الانتهازية مرورا بالزبونية (clientélisme) المتخفية والملتفة على الأخلاق. حياة أو موت بالنسبة لبعض الأحزاب التي تتصرف من منطلق الثقة الكبيرة في النفس وهذا مشروع لكن ليس إلى حد إلغاء الآخرين وتقديم أنفسهم على كونهم فائزين لا محالة بأية أغلبية كانت في المجلس التأسيسي وحتى في انتخابات برلمانية أورئاسية مقبلة. إن الانتخابات المقبلة أول اختبار حقيقي للجميع في فترة ما بعد الثورة للطبقة السياسية والأحزاب وللناخبين وعموما للرأي العام التونسي الذي بدأ يكتشف بأن الآلة الانتخابية بعض الأحزاب تدور بسرعة جنونية نحو الهدف النهائي ولو مرحليا- ألا وهو ضمان الأغلبية . نتحدث بهذه الطريقة التي ربما لا ترضي البعض ونحن لا نستطيع أن نصنف حياتنا السياسية باحثين عما إذا كان مناخها ديمقراطيا أو يرزح تحت تأثيرات ممارسات العهد البائد أومناخا «انتقاليا» يضاف إلى جملة «الانتقاليات» الممسكة بزمام الأمور في البلاد. في العهد البائد مثله في ذلك مثل الأنظمة الشمولية وحيث ديكتاتورية الحزب الواحد كان الحزب الواحد رغم «وحدانيته» يخشى الانتخابات ليس خوفا من المنافسة بل خوفا على جمالية الصورة الانتخابية التي تهيئ لفوزه ثم تحتفل به..ثم تؤبده ..نعم تلك الصورة تعتمد على جملة من المكونات والمساهمات من المغالطة إلى الترهيب والترغيب مرورا بالافتراء إن لزم الأمر على «أقلية» يسيئها هذا المشهد «الصوري» فلا بد إذن من تحميض الصورة بأدوات دعائية تتمثل أساسا في «الرد» على حملات مزعومة.. لأن الحزب الواحد لا يتلذذ حلاوة الفوز دون وجود عدو يقابله في ظل تغييب أطراف تنافسه. أنظروا إلى صورة بصدد التشكل الآن.. هناك من يتحدث عن حملة تشن عليه.. ويمعن في الحديث عنها بمناسبة أو غير مناسبة.. في سياق يوحي بالتعرض إلى مظلمة ومحاولة استدرار العطف وكأن الأمر يتعلق بمؤامرة تحبك نسيجها أطراف عديدة كل همها الانقضاض على هؤلاء . لنعد إلى مسألة الحياة أوالموت.. فالانتخابات لن تعني الاندثار لأي حزب أو تيار سياسي سواء كانت مرجعيته دينية أوعلمانية والأهم في كل ذلك هو احترام التونسيين مهما كانت انتماءاتهم ومهما كانت مواقفهم من الأحزاب الحالية أو التيارات السياسية. .. لكن لماذا تلجأ بعض الأحزاب منذ الآن وقبل انطلاق الحملة الانتخابية إلى أساليب تليق بالتجمع الدستوري وقياداته للرد على النقد والانتقادات والتوجس من كل كلمة تقال أوعبارة يشتم منها مواقف لا تتماشى مع مبادئهم خصوصا في الإعلام والحال أن الفايس بوك مليء بما قد يدفع تلك الجهات إلى غلقه في حالة وصولهم إلى الحكم. لا نريد أن يشعر التونسي أن في بعض الأحزاب إدارة إعلام توجه وترد الفعل وتقمع الرأي المخالف وتعبئ الأنصار في اتجاه معين يتنافى مع التعددية والممارسة الديمقراطية. أين الخلل إذن؟... ..لا بد أن ننظر إلى أنفسنا كل في مرآته لنرى كم هي عيوبنا المتأصلة فينا بفعل ما رسخ في اللاوعي نتيجة تراكمات عقود.. فجانب كبير من طبقتنا السياسية هم من مواليد الاستقلال الذين نشأوا في بلد الحزب الواحد والديكتاتورية.. نعم ..لدينا عيوب تتجاوز المرآة لنراها في حياتنا السياسية ..هناك توجس وانعدام ثقة وأفكار مسبقة من هنا وهناك تحكم مواقفنا مثلما تقود خطانا على درب الحياة يوميا.. وهناك أيضا الرغبة في الانفراد بالرأي والحكم وفي السيطرة والهيمنة وهي أفكار مسبقة كنا ومازلنا نقول أنها تليق بالمواطن العربي أينما كان.. ألم نقل أن القوة وحدها هي التي حافظت على استقرار العراق منذ الحجاج بن يوسف إلى صدام حسين؟ ألا نقول عموما أن العربي لا تلزمه إلا الديكتاتورية ليستريح ويريح غيره من «بلائه»؟ ألا يقال أن في تونس تلزمنا الغلظة والشدة لننضبط؟ تعالوا ننظر في عيوبنا.. حتى ندرك كيف نتصرف وكيف نتعامل مع بعضنا البعض بكل احترام وبما يليق بالمواطنة.. ولنترك للعالم الحديث عن محاسننا ورصيدنا الحضاري وانفتاحنا الفكري وغيرها مما نخشى أن يكون مجرد أفكار مسبقة حشونا بها أمخاخنا فوقعنا ضحية تخمة لم نعرف لها علاجا.