بدأت الدروس التي قدمها العقيد القذافي للعالم في قدرته على القتل والتنكيل تؤتي أكلها، بل أصبحت المذابح الليبية مدرسة تستنير بها قوى العتمة والظلام الدامس في وجه الشعوب الثائرة.. والقائمة تطول يوما بعد آخر، وربما يكون بشار قد استفاد من هذه الدروس أكثر من غيره، إذ أن مدرسة القذافي عندما غيبت الجيش بالمعنى المتعارف عليه واقتصرت على كتائب يقودها أبناؤه سهل كسب جزء كبير من المعركة، وهو ما بدأ الرئيس السوري بتنفيذه بسرعة في درعا مؤخرا عندما أقحم الجيش في معركته ضد شعبه. هذا التكتيك الذي تبناه وسارع إليه بشار مقصده تجريد الجيش من مصداقيته ونزع ثوب الحياد عنه حتى لا تتكرر التجربتان التونسية والمصرية على الاختلافات والفروق بينهما. قد لا تكون الأمور قد سارت على نحو يشتهيه مستشارو بشار والمدبّرون بأمره فخروج عناصر من إحدى الفرق عن بوتقة القتل وانصهارها مع ثورة الشعب من خلال تبادلها إطلاق النار مع "الكتائب" الموالية أفسد ولو بشكل محدود خطة "القذافي الجديد" مما يدفع بالأمر في سوريا إلى سيناريوهين قد لا يكون لهما ثالث: أول مسار قد تأخذه الأحداث في سوريا هو السيناريو الليبي بحذافره أي الدخول في صراع داخل قوات الجيش والأمن بين مؤيد للثورة ومعارض لها خاصة من جانب العلويين الذين لن يتخلوا عن رئيس يشاركهم نفس الطائفة، فتدخل البلاد بذلك منعرج التدخل الأجنبي المباشر "حماية للمدنيين". أما السيناريو الثاني فقد يشابه الأحداث في اليمن من خلال تواصل "المجازر الحكومية" مقابل نضال سلمي للشعب السوري يبعد التدخل الأجنبي المباشر ويكسب تعاطفا عربيا واسعا، لكنه سيسبح على نهر من الدماء الزكية أثبتت الأنظمة العربية أنها قادرة على سفكها دون أن تخاف في ذلك لومة لائم فهي تؤمن بالحكم إيمانا راسخا ومستعدة لدفع كل القرابين تقرّبا وبركة... لكن الرابط الوحيد بين السيناريوهات المختلفة حتى وإن خرجت عن المسارات آنفة الذكر هو التخلص من بشار وانكشاف روابطه المتينة بأعداء العرب والمسلمين، وتفانيه في خدمة إسرائيل وأمريكا، ناهيك عن اضمحلال صورة قوة الممانعة المزعومة.