أميمة التاجوري*طبيعي جدا ان تفرز ثورة شعبية في حجم الثورة التونسية العديد من التداعيات و الارهاصات والاختلافات و التجاذبات والصراعات الفكرية و الايديولوجية. فالثورة ازاحت نظام حكم من اعتي الانظمة الاستبدادية في العالم وأطاحت برؤوس حزب حكم البلاد بالحديد والنار طوال اكثر من عقدين من الزمن. ولئن لم تكن اهداف الثورة واضحة في البداية واختزلت الشعارات المرفوعة في المطالبة برحيل العصابة الحاكمة ومحاربة الفساد المالي وتوفير الشغل للمعطلين من اصحاب الشهائد الجامعية فقد تصاعد سقف المطالب ليشمل الحياة السياسية ومقوماتها ومرتكزاتها بهدف ارساء مشروعية اساسها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة والتعددية وحقوق الانسان والديمقراطية الحقيقية التي تقوم علي التعايش السلمي بين جميع الاطياف السياسية و المشارب الفكرية . والمناخ الديمقراطي الذي تسعي ثورة الاحرار الي وضع لبناته الاولي يستوجب تضافر جهود كل ابناء تونس وتلاحمهم ويستدعي قدرا كبيرا من التضحيات بالمصالح الخاصة الضيقة لفائدة المصلحة العليا للوطن وذلك تعبير عن الوفاء لشهداء الثورة ولأرواحهم الطاهرة الزكية. وفي المقابل لا يحق اذن لأي طرف أو جهة سياسية ان تنصب نفسها فوق الجميع وتستأثر بمكاسب الثورة بهدف توظيفها لخدمة مصالح فئة دون غيرها . فالذي نشاهده اليوم من احداث وتجاذبات وخصومات فكرية ومذهبية وأحيانا اعتداءات بالعنف الشديد لا يبشر بخير بل يدل علي خطورة الموقف . فالعلمانيون يتوقون الي فصل الدين عن السلطة وتحييد الدولة والإسلاميون متحفزون الي تركيز الدولة الاسلامية بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهذا الامر من شأنه ان يفرز وضعا خطيرا ومأزقا كبيرا يصعب تخطيه في الظروف الراهنة اعتبارا لدقة المرحلة التي تمر بها البلاد. اقول لهؤلاء جميعا وأنا فتاة مسلمة متدينة ان تونس التي تجر وراءها اكثر من ثلاثة ألاف سنة حضارة ليست في حاجة الي تلقي الدروس من أي تيار مهما كانت خلفياته العقائدية لان الشعب التونسي بلغ درجة من النضج تؤهله للتمييز بين الغث والسمين وبين الصالح والطالح فلا مجال لأي كان ان يفرض رأيه بالقوة لأن الدين لله والوطن للجميع ولأنه لا اكراه في الدين ولا رهبانية في الاسلام . ولأن اسلام الشعب التونسي وعروبته اسمي من ان يكونا محل جدل او مساومة واكبر من ان تكرسهما نصوص دستورية او ادبيات حزبية فئوية او طائفية. فتونس كانت ولا تزال منارة علم ومعرفة وفقه اشعت بنور الاسلام انطلاقا من القيروان وصولا الي قاهرة المعز وبلاد الاندلس. اذن والحالة تلك لابد من ان يعتصم الجميع بحبل الله وان يتجندوا للذود عن الوطن لبناء المستقبل الافضل . ولن يتحقق ذلك في اعتقادي إلا بنشر قيم التسامح والتضامن والتآخي والمساواة والعدل والتمسك بمبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية التي لا تختزل في العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع بل ترقي الي مرتبة العقيدة فكرا وسلوكا ومنهاجا في الحياة بعيدا عن الغوغائية والشعارات البراقة الجوفاء التي تؤدي الي خلط المفاهيم والقيم وإرهاب الموطن وإرباكه والتعالي علي مشاغله الحقيقية وأهمها- الحرية - الشغل-الكرامة. ان شعب تونس الذي انجز ثورة عظيمة نالت اعجاب العالم وتردد صداها في مختلف انحاء المعمورة ليس بعزيز عليه المحافظة علي مكاسب ثورته وبذل الغالي والنفيس في سبيل الارتقاء بها نحو الغد الافضل المشرق الوضاء. )ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في حرها واندثر( * المعهد الأعلى للتصرف تونس