بورقيبة كان يزور المعارض ويدشنها بنفسه وهو تقليد غاب عن النظام السابق يرى المنجي معتوق رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين أن الفرح بالثورة الشعبية في تونس تلته تساؤلات لم تكن في الحقيقة من وحي انتصار الثورة بقدر ما كانت نتيجة لمظاهر برزت في الساحة التونسية إثرها يقرأ منها الملاحظ رغبة في استغلال الوضع لفرض واقع جديد قد لا يتوحد حوله بالضرورة التونسيون. والفنّانون التشكيليّون من بين شرائح المجتمع الذين لا ينكر المنجي معتوق وهو أحدهم أنهم يمكن أن يكونوا على ضوء ما شهدته تونس ما بعد الثورة من مظاهر غريبة بعض الشيء في طليعة المتسائلين عن مستقبل الفنون والثقافة عموما بالبلاد والمنشغلين بما يمكن أن تفرزه انتخابات 24 جويلية القادم من مفاجآت. لماذا؟ وكيف ؟ ذلك ما يكشف عنه الحوار الذي أجريناه مع المنجي معتوق الجامعي والفنان التشكيلي ورئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في إطار حديث الأحد الذي يجمع كالعادة بين السياسي والثقافي. هناك شبه اجماع لدى الفنانين التشكيليين في تونس أنهم كانوا من بين المهمّشين وأن قطاع الفنون التشكيلية كان ضحية للإختيارات العامة للسياسة الثقافية للبلاد قبل 14 جانفي. أين تبرز مظاهر التهميش حسب رايك ؟ -باعتبارنا نعرف بعض الشيء عن تاريخ الحركة التشكيلية في البلاد يمكن القول أن الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان أفضل بكثير من العقود التي تلت ذلك. كانت السلطات وبورقيبة تحديدا يزور معارض الفنون التشكيلية ويدشنها. كانت لدينا سوق للفن التشكيلي وكانت مختلف المدارس والأنماط الفنية والجمالية ممثلة بالساحة. كل التجاذبات كانت متوفرة ومختلف التقنيات والمواد. لكن تبدّلت الأحوال اليوم حتى أنّه بات من يتحمل المسؤولية داخل اتحاد الفنانين التشكيليين )يتعلق الأمر بشخصي وبالفنانين التشكيليين الذين سبقوني) يهيء نفسه لمواجهة كم هائل من الإشكاليات ومن المشاكل. فالنية كانت واضحة لتغييب القطاع تغييبا كليا. من كان يغيب من ؟ -هناك وجهان للتغييب. من كانوا يتصدرون للسلطة ولمراكز القرار لم تكن لهم علاقة بالفنون التشكيلية. وكنتيجة آلية لذلك كان مقام الفنان التشكيلي غير محفوظ وكان دوره في المجتمع مغيّبا كفاعل وكشريك في التنمية إلخ... لكن ألا يتحمّل الفنان التشكيلي جزء من المسوؤلية خاصة وأنه أعطى الإنطباع في وقت من الأوقات أن مطالبه الشخصية كانت تمر قبل مسؤوليته في فرض عدد من القيم الجمالية والفنية؟ -أنا أعذر الفنان الذي يسعى لكسب رزقه بالطّرق التي يراها ملائمة طالما وأنّه لا توجد قوانين تمكّنه من آداء رسالته في مأمن عن الحاجة. اليوم وقد فتحت الثورة باب الأمل من جديد فإنّني أعتقد أن التّمشّي الجمالي سيأتي لا محالة. هل بانت لكم بوادر بشأن تغيّر إيجابي فيما يتعلّق بتعامل سلطة الإشراف الجديدة مع أهل الإختصاص؟ -حاليا لا يمكن الإقرار بذلك. لقد طلبنا مقابلة وزير الثقافة بالحكومة المؤقّتة أكثر من مرّة وراسلناه في الغرض لكنّه لم يجبنا إلى اليوم. لا نعرف الأسباب. هل لدى الوزير استراتيجية خاصّة وهل لديه أولويات؟ لا ندري بالضبط. لكننا مصرّون على تقديم مطالبنا والعمل على التّحسيس بأهمية الإستجابة إليها. يحتاج قطاع الفنون التشكيلية إلى إصلاح القوانين. القوانين التي تنظّم تنقّل الفنان داخل البلاد وخارجها. يحتاج إلى إصلاح قوانين الشراءات وغيرها أمّا بخصوص الهياكل فهي موجودة وينبغي تفعيلها. المسالة دقيقة جدا فنحن وعلى خلاف المسرح والسينما وغيرها من الفنون نعمل أساسا بشكل فرديّ ونحتاج لإصلاحات جذرية خاصّة للقوانين التي تسير عليها وزارة الثقافة. *تمسّكتم بإقامة المعرض السّنوي هذا العام حتّى وإن غيّرتم الموعد ( من مارس إلى جوان ) كيف كانت ردّة فعل الفنّانين التشكيليين. هل استجابوا للدّعوة؟ أستطيع أن أؤكد أن مسألة التمسك بهذا الموعد جاء من القواعد. هناك اصرار من الفنانين التشكيليين على العمل وعلى المشاركة في الحياة الثقافية بالبلاد في هذه الفترة الحاسمة من تاريخنا المعاصر. لن تكون هنالك على خلاف العادة جوائز لأن الجميع متفق على أن الوقت ليس وقت جوائز والكل متفق أيضا في أن المشاركة في هذا المعرض هو جائزة في حد ذاته. هناك ردود فعل إيجابية إلى حد اليوم والموضوع بطبيعة الحال له علاقة بالثورة. لكن علينا أن نعذر الفنانين التشكيليين فالموضوع ليس هيّنا خاصّة وأن الفنان التشكيلي ليس بالضرورة قد اتخذ المسافة الكافية التي تخوّل له التعبير عن موقف جمالي من الثورة. هناك من بينهم من مازال تحت فعل الصّدمة ( الحدث مفاجئ ) وهناك من بينهم من دفعته الثورة لتغيير رؤيته بالكامل وهناك من مازال يبحث عن طريقه في خضم الأحداث. المهم أن تكون بالنّسبة لنا الأعمال صادقة وأن لايكون المعرض مجرّد مناسبة لتسجيل الحضور. نحن نستغرب بالمناسبة كل الحركات التي يسعى من خلالها البعض إلى استغلال الثورة وحدث أن كنّا شهود عيان على معارض وقد تحوّلت إلى معارض خاصة بالثورة والحال أنّ أصحابها قد فرغوا من إعدادها قبل قيام الثّورة بكثير. هل يفسّر الخوف لديكم من تهمة استغلال الثورة خروج بيان باسم الإتّحاد حول الثّورة بعد فترة طويلة نسبيا على قيامها ( مارس ) ؟ لقد أردنا أن نأخذ الوقت الكافي لنفهم ما يحدث من حولنا وأعتقد أن ذلك أمر طبيعي ثم من كان سيسمعنا في الأيام الأولى التي تلت الثورة والجميع كان في حالة غليان والكل يتسابق لاسماع صوته. *يبدو أن الخوف متأتّ بالنسبة لكم من مصدر آخر كذلك ؟ -لا نخفي أننا نعيش خوفا حقيقيا على مستقبل الفن التشكيلي بعد أن رأينا بأم العين لوحات تمزق ( بالمركز الثقافي التونسي ) وبعد أن ظهرت أطراف تعتبر الفن حراما وتسعى لمقاومته. الأمر وصل إلى الجامعة وهناك اليوم منقّبات تدرس بمدارس الفنون الجميلة وتدرس مادّة الحفر والنّحت. أليس الأمر غريبا بعض الشيء. حدث كذلك وأن رفعت صور معروضة ضمن تظاهرات فنية من مكانها والخوف اليوم كل الخوف أن تحمل انتخابات 24 جويلية القادم نتيجة قد تحيد ببلادنا عن الوسطية التي تعودناها. من جهة أخرى نحن في تونس لا نعيش بمعزل عن العالم وأذكر أن أحداث التسعينات بالجزائر كانت مخيفة للتونسيين وللفنان التونسي واليوم عيوننا ملتفتة إلى ما يحدث من حولنا في ليبيا والجزائر والمغرب وغيرها. وأنتم تعلمون أن الفنان وحتى الإعلامي من أكثر فئات المجتمع استهدافا خلال الإضطرابات والمخاطر تتهدّدهم بقوة. *هل لقيتم مساندة ما من الأحزاب السياسية المتكاثرة بتونس وهل لاحظتم أنها تولي ما يكفي في برامجها الفنّان والمثقّف من عناية؟ - لم نجد مساندة منها بالمرة بل على العكس يبدو أنّ الثقافة مغيّبة تماما لدى هذه الأحزاب ذلك أننا نجدها تتكلم عن السياسة وعن الفلاحة وعن الإقتصاد ولا كلمة تقريبا عن الثقافة. المثقف يكاد يكون مغيبا في هذه المرحلة في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون فيه حاضرا بقوة. كيف سنجابه مخاطر التطرف ومخاطر تفريغ الساحة من كل فكر حر إذا استقال الفنّان. لذلك إن كان هناك من نداء ينبغي أن أوجهه للفنان التشكيلي التونسي اليوم فإنني أدعوهم إلى الإلتحاق بورشاتهم والتشمير عن السواعد والعمل. المسألة خطيرة لأن لا شيء حقيقيا تغير بالنسبة لنا وهناك نية إلى جعل المثقف دائما تحت رحمة رجل القرار وصاحب السلطة. إنه من واجبنا اليوم أن نقاوم الرداءة بكل حالاتها وأن ندفع المثقف لتحمل مسؤولياته لأن الثقافة تنير الشعوب وبالتالي علينا أن لا نسمح بتغييبها. وإذا ما غاب المثقّف واستقال لكم أن تتخيلوا كيف سيفسح المجال لأشياء أخرى ظهرت جمعيات ونقابات في الساحة فأي علاقة تجمعها بالإتحاد ؟ -مرحبا بكل تنظيم جمعياتيّ أو نقابيّ كطرف حوار. لكن لابد من الإشارة إلى أنه لا تربطنا أي علاقة بنقابة مهن الفنون التشكيلية التي استغلّت الوضع بعد الثورة لتبدو في مظهر المدافع الأول عن الفنانين التشكيليين لأننا نعتقد أن الإتحاد الذي له 40 سنة من الوجود يقوم بدور نقابي ثم نحن لسنا مهنييّن بل فنانين وليس لنا أرباب عمل بل نحن مسؤولون عن أنفسنا فكيف تكون لنا نقابة. أما بخصوص الرابطة المعلن عن تأسيسها حديثا فإن كل ما أعرفه أن الرابطة تتكون من مجموعة هيئات أو جمعيات في حين أن الرابطة التونسيةالجديدة هي تجمع مجرد أشخاص. لقد حدث واختلطت الأمور على وزير الثقافة الذي سبق واستقبل أعضاء عن هذه التشكيلات في حين مازال اتحاد الفنانين التشكيليين العريق ينتظر مقابلة منه. لكن ينبغي أن أشير إلى أن علاقتنا مع وزارة الثقافة قائمة ومتواصلة بحكم أننا ننسق معها في ما يتعلق بأنشطة الإتحاد لا سيما المعرض السنوي. وننتظر أن نبني معها علاقة شراكة حقيقية. حوار : حياة السايب