محاسبة رموز الفساد وكلّ من تورّط في جرائم في حقّ الشعب التونسي إبان حكم المخلوع لم يكن مجرّد شعار رفع للتشدّق بديمقراطية الدولة ما بعد بن على بل كان مطلبا شعبيا ينمّ عن رغبة دفينة للانعتاق من قيود عهد بائد..لكن رياح العدالة "الانتقالية" جرت بما لا تشتهي تطلّعات الشعب.. وبقيت زمرة المفسدين في طور الاحتفاظ بالنسبة للبعض أو في حالة هروب بالنسبة لغالبيتهم..وهذا "التلكؤ" كما وصف من طرف بعض رجال القانون أثار حنق أهالي الشهداء خاصّة واستفزّ مشاعرالتونسيين .. "الأسبوعي" اتصلت بالأستاذ عبد الستار بن موسى، عميد المحامين سابقا، لسؤاله عن سير إجراءات محاكمة المفسدين وهل أنها تستجيب لتطلّعات الشارع وهل هناك شبهة مماطلة قد تضرّ بمصداقية القضاء التونسي.. في مستهلّ حديثه معنا أكّد الأستاذ عبد الستار بن موسى أنه «من الثابت أن هذه الثورة قامت ضدّ الفساد السياسي والمالي وضدّ القمع وفضحت جرائم عديدة تورّط فيها رموز الفساد السياسي فلا بدّ للعدالة الانتقالية لا بدّ من المحاسبة وكلّ من تورّط في جرائم عديدة ضدّ الوطن.والعدالة الانتقالية تقتضي قضاء سريعا و ليس متسرّعا بمعنى يضمن حقوق الدفاع". إثارة الدعوى العمومية حق لم يمارس وحول ما قيل عن كون القضاء لم يستعمل صلاحياته كليا وبقي متحفظّا لأسباب مجهولة يقول العميد السابق: «كان من الأجدرأن تثير النيابة العمومية الدعوة العمومية فذلك من صميم واجبها القضائي . فهي عاينت جرائم القتل التي تناقلتها وكالات الأنباء وكانت هذه الجرائم موثقة بالصوت والصورة ولكن النيابة لم تحرّك ساكنا لكنها أثارت الدعوة فقط ضدّ الرئيس من أجل جريمة جمركية رغم أنه مسؤول عن جرائم القتل..فالنيابة التي من المفروض أن تكون مستقلة صارت تحت إشراف وزارة العدل ولم تتخلّص من وصاية العدل وهو ما دفع بالمحامين وأهالي الشهداء لإثارة دعاوى القتل والتحصّن بالحق الشخصي". ويضيف الأستاذ بن موسى :"أنا أعتقد أن النيابة العمومية لم تقم بدورها كما في مصر مع الرئيس وعائلته . وكذلك عدم حلّ مجلس القضاء هو بمثابة القشة التي قصمت ظهر القضاء والعدالة العادلة". وبالنسبة إلى التلكؤ الحاصل في المحاسبة والقصاص العادل يقول الأستاذ :»اذا كان المشكل هو طول الإجراءات فالمشكل يمكن تلافيه بمرسوم رئاسي يراعي كون البلاد في حالة انتقالية تفترض سرعة المحاسبة لامتصاص الغضب الشعبي وهوما يثيرالتساؤل؛ لماذا تصرّ إلى الآن الحكومة على وضع المجلس الأعلى للقضاء تحت وصايتها.؟.» وأكّد الأستاذ بن موسى أن الإجراءات تبقى ذريعة واهية يتحجّج بها القضاء خاصّة أن النيابة العمومية لم تثرأيضا الدعوى ضدّ المسؤولين المورّطين في الوزارات . ولماذا لم تبادر بذلك لجنة مقاومة الفساد التي لديها ملفات لم يقع الكشف عنها وتتبّع أصحابها . لماذا لا تنشر قائمة بأسماء القناصة والحال أنهم يعرفونهم جيّدا؟ ممتلكات مصادرة ولكن.. وحول وجاهة الرأي القائل بأن ما نسب من أفعال الى من وقع التحفّظ عليهم هي من قبيل الجنايات والتي تطول إجراءاتها لأنها تقتضي جمع الأدلة الحاسمة .يقول العميد السابق: «في الجنايات؛ الإجراءات تستغرق وقتا لكن وفي هذه الفترة الحسّاسة يمكن استنباط إجراءات وقتية بحيث إن كل من تورّط في قضايا يجب أن تصدّر ضده بطاقة إيداع. فمثلا إصدار قرار لمصادرة ممتلكات بعض رموز الفساد لكن العديد منهم يتصرفون في أملاكهم العقارية العينية والحال أنه تجب المصادرة التامة للممتلكات والتصرّف الى حين البتّ قضائيا . أرصدة مجمدة وسفير مغيّب.. وحول إجراءات تجميد الأرصدة بالخارج وهل أنها تتخذ نسقها الطبيعي يؤكّد الأستاذ عبد الستار بن موسى :»بالنسبة إلى الأموال في الخارج فقد وقع تقديم ملفّ غير مكتمل حسب تصريح ممثّل وزارة العدل في سويسرا كما لم يعيّن الى الآن سفير بجنيف و عدم وجوده يضعف المطلب التونسي لأن من مهام وجوده في هذه المرحلة متابعة المستجدات والحرص على تسريع الإجراءات. فمن صالح الدولة السويسرية أن تبقى السيولة المالية لديها أكثر وقتا ممكن." أبواب الطعن تفتح.. ان خشية الشعب التونسي من هذا التلكؤ الذي نتمنّى أن لا يكون متعمّدا تتلخّص خصوصا حول إمكانية أن تحدث هذه المماطلة مخارج قانونية يتعلّل بها البعض للتفصّي من العقاب . وعن ذلك يقول العميد السابق : «نعم. هذا يفتح مجال الطعن. فهل يعقل أن يكون هناك قاضي تحقيق وبالتالي ضرورة تكليف عديد قضاة التحقيق؟ .هذا ما يضرّ بالعدالة الانتقالية والمصالحة لا تقع الاّ بعد المحاسبة."