الساعة تشير إلى الازدحام... منذ التاسعة، صباحا من يوم امس، بدت الحركة غير عادية في الشارع الرئيسي بالعاصمة.. كثافة كبيرة للمارة... علامات الاستفهام مرتسمة على كل الوجوه تقريبا، وكأن الجميع في انتظار مفاجأة ما».. حوالي الساعة الحادية عشر، بدأت السيارات الأمنية تتوافد على الشارع، ثم اصطفت بين الأشجار نافثة دخانها الخانق، وأزيزها يصم الآذان والنفوس.. وقد فاق عددها ال30 سيارة اضافة إلى الحافلات..
«سوق نقاش»
وعلى مرمى قنبلة غاز مسيل للدموع، انتصب «سوق نقاش» كالعادة، وتكونت حلقات الجدل والمطارحات الفكرية والسياسية اليومية على قارعة الرصيف، كلها تتمحور حول تصريحات الراجحي الأخيرة والقنبلة المدوية التي فجرها.. ثم تجمع عدد كبير من المتظاهرين أمام المسرح البلدي مرددين نشيد الثورة.. وتتالت الشعارات منادية «الشعب يريد إسقاط النظام».. و»ديقاج يا سبسي ديقاج».. و»الشعب يريد إسقاط الرئيس».. وبعد نصف ساعة تقريبا، انسابت الجموع الغفيرة في مسيرة في باتجاه مقر وزارة الداخلية، مرددة «الشعب يريد ثورة جديدة» ولكن جدارا أمنيا سميكا متسلحا بكل «أدواته المرعبة» سرعان ما أقيم أمام المتظاهرين، وحال دونهم ومواصلة السير في اتجاه الوزارة، فاندلعت اشتباكات بين الجانبين.. وانطلق «الدز» والركل.. ثم حضرت «الماتراك»..
مدرعة تلاحق المتظاهرين
وفجأة دوت القنابل المسيلة للدموع وانساب غازها الخانق يغطي الشارع.. فأسرع المتظاهرون كل في اتجاهه... ولاحقهم أعوان الأمن والقوا القبض، هكذا عشوائيا، على العديد منهم...وتحركت مدرعة تلاحق من فر من المتظاهرين عبر شارع باريس مطلقة من حين لآخر قنابل مسيلة للدموع...وبسرعة أغلقت كل المحلات التجارية بالشارع الرئيسي، والشوارع المتفرعة عنه.. وانقطعت حركة مرور السيارات، ولم يبق في الشارع إلا أعوان الأمن بزيهم الرسمي أغلبهم ملثمون، وكذلك زملاؤهم باللباس المدني، وطبعا السيارات الأمنية، التي من حين لآخر يرمى بداخلها أحد المواطنين، بعد إشباعه ركلا وتعنيفا..
كر وفر
واستمر الكر والفر بين المتظاهرين، وأعوان الأمن إلى حدود الساعة الخامسة بعد الزوال.. وقد توسعت الاشتباكات انطلاقا من الشارع الرئيسي بالعاصمة إلى أماكن وشوارع عديدة، منها محطات النقل العمومي، بالباساج، وباب الخضراء، وبرشلونة.. وشارع باب سعدون.