نشرت جريدة الصّباح في عددها الصّادر يوم الأربعاء 27 أفريل 2011 كتابة بعنوان "ثعابين الرّدة الثلاثة" للمسمّى "أولاد أحمد" وأنا سأُضيف ثعابين أخرى إلى ثعابينه حتى تكون جميعُ الثعابين أمام القارئ يختار منها أيَّ ثُعبانِ يشاء. الثّعبان الأوّل ما شاع في مقاله من أخطاء في استعمال اللّغة، من ذلك قوله «الثّورة التّونسيّة الأنيقة» فالأناقةُ وصفٌ للزّينة في اللّباس والهيئة/ ولا يصحّ أن تكون وصفًا للمعقول والذّهني حتّى على سبيل المجاز. ومن ذلك قوله «أنصع كَذِبًا» فالكذب يوصف بالسّوادِ والظلمة ولا يصحّ أن يوصف بالنّصاعة وهي شدّةُ البياض، كما أنّه يستخدم تعابير تجري على ألسنة العوام مثل قوله «عرب المحيط والخليج» فالنّاس يسكنون الأرض ولا يسكنون الماء» ومثل قوله «نسمع في كلامهم» وهكذا ....... والثعبان الثّاني ما حفل به مقاله من تهجّم وبثّ للفرقة وإثارة للفتنة، وحقد مكين على من يعبد الله في هذه الأمّة، فيقول :» ومع ذلك لا يزال سلفيو تونس بصدد فرْك العيون، والتكسّل، والتمطّي في انتظار النّهوض، ولباس النّعال، وغسل الوجوه، والتوجّه إلى الجوامع لأداء صلاة الفجر». وكأنّه يعجبه ما يفعله المخمورون الذين يعودون عند صلاة الفجر من الحانات وعلب الليل، ملوّثين بما ألقوه على أنفسهم من قذارة القيء ، والتبوّل، ومؤذين أسماع النّاس بما يخرج من أفواههم من بذاءة في القول، ويسخطون حين يسمعون آذان الفجر لأنّه يحرمهم من النّوم كما سخط الصهاينة الذين اغتصبوا القدس، ويسعوْن الآن لإسكات الآذان قائلين: إنّهم ليسوا مسلمين. الثعبان الثالث تهجّمُه على الإسلام عقيدةً وعبادةً، فهو متخوّف من النّهضة التي يزعم أنّها تهدّد المجتمع بمشروع إسلامي يتصوّره على هذا النّحو فيقول: «وهو يتهدّدها علانية بمشروع مجتمعي فلسفته الوحيدة التحكم في طرائق الأكل والشّرب واللّباس، والنّكاح، والوضوء بما يتماشى مع تقاليد الأجداد في القرن العاشر للهجرة حيث كانت الطاعة والرّكوع شغلهما اليومي الوحيد، وكانت الآخرة بديلا على هذه الحياة». إنّه يُحَقِّرُ الصّلاة فيجعلها من صنيع الخانعين الأذلاّء، و يُحَقِّرُ من ركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالآخرة، ويجعل من الطّهارة والزّواج وغيرهما من أحكام الشّرع في حياة المسلمين طرائق قديمة في الممارسة. وهكذا يتطاول هذا السّليط المغمور، الجاهل بالإسلام جهلا مخزيا على دين هذه الأمّة فيثير الفتنة في وقت نحن فيه أحوج إلى الإخاء والتّكاتف، ومجابهة ما يترصّدنا من أخطار. الثّعبان الرابع: لقد كشف بكلّ وضوح، أنّه كان من المحرّضين على النّهضة، متبجّحا بذلك في غير خجل ولا حياء فيقول:» في أواسط الثمانينات من القرن الماضي كان لي كتابات عاصفة، وردود لا هوادة فيها، وتعاليق تنبّه إلى الأخطار المحدقة بحرية الشّعب التّونسي ومصيره ...وكان محور تلك الكتابات والرّدود والتّعاليق متعلّقا بجماعة النّهضة». فقد اعترف إذن أنّه كان من أذناب نظام القهر والتّسلّط يسانده فيما يصنع بالإسلاميين من قتل وتعذيب وتشريد. وما يزال يجترّ حِقده عليهم وتحرّشَهُ بهم إلى اليوم. فينال قادتهم بسيل من التّحقير، والافتراءات الباطلة مما يمكن أن يكون موضوعا للدّعوى أمام القضاء، إذ أنّ النّيل من دين الأمّة، والنّيل من المسلمين سواء كانوا سياسيين أو غير سياسيين ليس من الحرية في شيء، فالحرّية مسؤوليّة، ومحدودة بالأخلاق، وباحترام الغير، وعدم التطاول على أحد بدون موجب. ولقد كوفئ على تحريضه على الإسلاميين بأن أُسْندَت إليه إدارة مؤسسة ثقافية صغيرة تُدعى «بيت الشّعر» في رُكن من أركان الأحياء القديمة بالعاصمة، فكان نشاطه بين هذا البيت، وبين المقهى يدخّن ويقول كلاما لا يفيد أحدا يسمّيه «شِعرا» مع أنّه لا يحسن أن يكتب نثرا سليما من الأخطاء، ومع ذلك فهو يضخّم ذاته ويزعم أنّه من الذين صنعوا الثّورة. وهكذا كانت الثّعابين كلّها تنْفُثُ سموم الدَّسِّ والكراهية، والفتنة بلسان هذا الدّعِيّ المُتعَاظِم وما هو إلاّ صغير كاسمه، والواقع أنّي أنخدعتُ بتقديم جريدة الصّباح لمقاله على صفحتها الأولى، بعنوان لافت كما يلي :»أولاد أحمد يكتب ل»الصباح» فكأنّه بكتابته إليها يرفع مقامها في أعين قرّائها، فكان هذا العنوان دافعا لي إلى المبادرة بقراءة ما كتب، ولشدّ ما كانت خيبتي عظيمة حين لم أجد إلاّ ما عرضته في هذا المقال من تَبَذلٍ، وقلت في نفسي: واأسفا على تونس أن تكون فيها هذه الأفاعي ذات الأنياب المخيفة، والسّموم المهلكة، يتطاولون وينالون بألسنة حِدَادٍ من معتقدات النّاس، وحُرْمتهم، في جُرْأة مشؤومة من التفلُّتِ، وخراب الذمّةِ والضمير. * أستاذ جامعي