لأن الحكومة المؤقتة ضعيفة اليد هشة الوضع فأنا معها ولسوف أساندها فيما بقي لها من أيام في السلطة ثم وعلى خلاف العديد من الناس والشخصيات السياسية والصحفيين أرى في أداء الحكومة كثيرا من صدق النية والسعي الجاد لمسك الأمور وقد انفلتت والحرص على توفير ما يمكن من أدوات لتتواصل الحياة وتكون الانتخابات. اعتقد أن الباجي وصحبه يجتهدون حريصين على خدمة البلاد وإنقاذها وقد أشتعلت النار في الجهات وكثر تكالب المتربصين وخاصة منهم أولائك الذين يظهرون شيئا ويخفون حقدا دفينا. و حين تكلم الباجي مؤخرا شاطرته الرأي و وجدت في كلامه حقا كثيرا، بل أكثر من ذلك أصبحت اليوم من أنصار الشرطة و البوليس فأنا غالبا ما أكون مع المستضعفين و كذلك أرى الأمن و الحكومة المؤقتة اليوم وقد أشهرت في وجوههما السيوف وقذفتا باطلا كثيرا. و ما كنت أيام زين العابدين بن علي ناصرا للحكومة بل كنت أكره الأمن والبوليس و كل ذي سلطان بليد. و أنظر فيما يكتب في الصحف و غيرها، فأجد جلها تحامل على الحكومة المؤقتة و تشكيك، و أسمع فيما تقول التلفزة الوطنية وقد جاء كلامها تشنجا و عداوة بدائية للحكم و رجال الأمن حتى لا تخال أن هذه هي أصل الداء وهي سرطان همه الانقلاب على الثورة، كما يكرر ذلك ملحا »البوكت « و»الوطد« وبعض جهويات الشغل وغيرها أما أنا فأرى الحكومة المؤقتة تسعى صادقة لإطفاء النيران المتناثرة و أرى الأمن يجتهد حقيقة لمسك حبال الأمور بعدما أصاب البلاد و أجهزتها تفكك شديد.ِ.. و لكن ليس كل شيء جاء كما أريد. ورغم ذلك فأنا أساندهما اليوم. ففي قضية الراجحي مثلا لا أكاد أصدق ما يقوله الكثيرون، فكيف يعقل وهو الوزير أن يقول كلاما مخونا بعضا من رفاقه زارعا الفتنة في الشارع دون حجج أو تبرير، فتهتز الأرض و عبادها، ثم يتراجع ليقول إنها » مجرد تخمينات « جاءت دون نظر أو عمق تفكير. هل هو صبي يهذي أم هو حقا وزير ؟ أن الحجة على من ادعى و كان على الراجحي القاضي أن يأتي بالبراهين قبل القول و هو يعلم أن قوله خطير، و ليست هذه قضية حرية رأي كما أدعت جمعية القضاة بل هي المسؤولية فيما تفعل أو تقول والقضاة ورجال الأمن ...هم بشر يجب محاسبتهم ومحاكمتهم ككل البشر. و بالإضافة إلى الراجحي الذي انقلبت في حاله المفاهيم لا افهم موقف إتحاد الشغل المندد ..بل وأعجب مما أقدمت عليه نيابة التشغيل في ولاية سليانة من إضراب عام و كان الأحرى بها الحرص على مزيد السعي والإنتاج و هذه جهة فقيرة وفيها بطالة كثيرة والأطفال هناك في حاجة ملحة إلى دروس ترفع من شأنهم فينجحوا ويتفوقوا ولعلهم بذلك ينهضون بجهتهم ولا أحد غيرهم قادر على ذلك فتنمية الجهة أي جهة هي أولا من شأن أهلها وليست دفعا حكوميا أو إرادة سياسية فوقية كما يعتقد البعض و لسوف تظل هذه فقيرة طالما لم تمسك بزمام أمورها و تكف على المطلبية ولا أفهم لماذا تعمد جهويات الشغل أحيانا كثيرة تعبيرا على غضبها إلى تعطيل الشغل وإلى غلق للمدارس وإلى إرباك الحكومة المؤقتة فتزيد بذلك في فقر العمال و الجهة عامة وفي نشر الجهالة وهي داء المجتمعات وفي دعم الفوضى و فيها هلاك للبلاد كلها. إني أعارض أحزاب المعارضة و خاصة منها الطفيلية التي لا قاعدة لها تأتي غوغاء و لا تقول صدقا، و إن شاءت كسب المناصرين ، كان عليها قول الحق و نصرة البلاد وهي اليوم تمر بوضع متأزم، بل لعلها مدعوة صراحة إلى مساندة الحكومة المؤقتة رغم نقائصها وهذه تونس في وضع متدن ينذر بقصف ما نرجوه جميعا من حرية و عيش كريم. إني أساند الحكومة و أعارض الإضرابات مهما كان شانها و شرعيتها فالوقت ليس وقت إضراب و إن صدقت الحجة بل لعلي أرى فيها انتهازية مقيتة و هكذا فإني لا أرى موجبا لما يفعله عمال اتصالات تونس و الديوانة و المالية... فكأني بهؤلاء ينتهزون فرصة سانحة لإظهار قوتهم في حين أن الوطنية الحقيقية اليوم و الرصانة تحتمان أن نتعقل و نصبر إلى أن تأتي حكومة مقترعة قوية يمكن التفاوض معها ولي ذراعها إن لزم. أما الركوب على الضعيف فهو أخلاقيا مرفوض. * أستاذ بالمعهد العالي للتصرف بتونس