في نهاية الأسبوع الثالث لعرض الشريط السينمائي التونسي «عرس الذيب» كانت قاعة المنار خالية من الرواد حتى خلت ومرافقي أن اصحابها سيعتذرون لنا عن العرض ويرجعون لنا مالنا ولكن ولحسن الحظ أو لسوئه دخل بعدنا رجل وامرأة ثم ثلاث طالبات وطالب وبدأ العرض في تمام الساعة السادسة لنا نحن الثمانية فقط لأن القائمين على حظوظ القاعة لم يكونوا ينتظرون أكثر من ذلك العدد على ما يبدو أولا لأن الفيلم كان في أسبوعه الثالث وثانيا لأنه لم يكن يغري الى درجة ان يدفع رواد السينما 4 دنانير للتذكرة الواحدة فبذلك المبلغ يمكن لمحب السينما ان يشتري أربعة أفلام «دي في دي» يشاهدها لوحده أو مع أقاربه وأصحابه وأحبابه ويحتفظ بها بعد ذلك في مكتبته والحقيقة أنني رغم حبي للسينما وتعاطفي مع أصحاب القاعات واحساسي العميق بالمشكل الذي يواجهونه والذي يهددهم بإغلاق قاعاتهم، لا أستطيع ان ألوم طالبا أو تلميذا أو حتى زوجين على تفضيل دفع دينار أو سبع مائة مليم مقابل قرص مضغوط على أربعة دنانير للتذكرة الواحدة. حركة بطيئة وكاميرا جامدة بدأ الفيلم كئيبا رتيبا مشاهده ثقيلة جدا وطويلة دون لزوم وأطولها على الإطلاق كان مشهد الإغتصاب حيث خصص المخرج لكل واحد من المغتصبين حيزا زمنيا مبالغا فيه لم يكن يمثل أية إضافة إذ لم تكن تلك المشاهد المرعبة والمقززة تفسر وضعا أو تحيل إلى فكرة أو تكسب الموضوع أية قيمة ولسنا في حاجة الى مشاهدة عملية اغتصاب ثلاثية كاملة لنفهم ما قصده المخرج وما أراد الوصول إليه... والجولة التي قام بها البطل وهو عار ملقى على ظهره من وسيلة نقل الى أخرى أيضا كانت طويلة جدا. صحيح ان انهج وأزقة و«صبابط» المدينة العربي جميلة والجولة فيها «ترد الروح» رغم ما هي عليه من تآكل وتهدم وضيق وظلمة أحيانا ولكن انبهار المخرج بها لا يخول له أن يطيل تلك الجولة دون مبرر حدثي وحركية تزرع في تلك المشاهد الحياة. قلة الحركة والكاميرا الجامدة طالت السهرة في العلبة الليلية أيضا التي كان يمكن اختصارها... والليلة الساخنة التي قضاها البطل مع البطلة.... حادثة عرضية ام ظاهرة متفشية؟ أما بالنسبة للموضوع فالسؤال المطروح هو الى أي مدى يمكن ان يمثل هذا الفيلم مجتمعنا وهل ينطبق ما جاء فيه من مشاهد على حقيقة عيشنا؟ طبعا لا يخلو أي مجتمع من عنف.. وعنف كالذي عرضه مخرج «عرس الذيب» ولكن هل هذا هو مجتمعنا؟ هل يعقل أن لايرى الجيلاني السعدي بعد غيبة عشرين سنة عن تونس غير هذا الذي عرضه في شريطه والذي نعتقد أنه حادثة عرضية تحفظ ولا يقاس عليها وليست ظاهرة متفشية في مجتمعنا. صحيح ان شبابنا يتعامل بطريقة عنيفة مع بعض المواضيع وفي بعض الوضعيات ولكن هذا لا يجعل من مجتمعنا عنيفا... والحديث عن العنف في التعامل بين افراد المجتمع لا يمكن بالمرة الإستناد أو الإستشهاد بما جاء في فيلم «عرس الذيب» لأن الفيلم في حد ذاته عنف سلطه المخرج على هذا المجتمع الطيب الذي يعاني كغيره من المجتمعات من أمراض تفرزها عوامل عديدة قد تختلف باختلاف المناخات ولكن في أغلبها متشابهة كالبطالة وضيق الأفق والتواكل... عندما قدم الجيلاني السعدي فيلمه قال أنه إنطلق في كتابته من حدثين رويا له واعتبر ان تصوير هذا الفيلم كان فرصة له للغوص في المجتمع التونسي الذي لم يعد يعرف تقاسيمه بعد عشرين سنة من الإغتراب وقد لفتت انتباهه درجة العنف في التعامل بين افراد المجتمع وبدا له ان الإغتصاب أبشع مستويات ذلك العنف... وأضاف أنه لم يستعمل العراء والإغراء حتى لا يقع في بشاعة المتاجرة بالجسد ولعل هذا ما جعله يصور المشاهد الجنسية الساخنة بين الأبطال وهم بملابسهم.. «ليعريهم بعد ذلك في بيوت الاستحمام».. وبهذا اعتقد انه راعى شعور المشاهد من جهة ونفى عن فيلمه صفة «بورنوغرافيك» من جهة أخرى. وهذا التقديم الذي وزع مع عرض الفيلم كان كافيا للإجابة على كل التساؤلات التي طرحت. فهذا مخرج غادر تونس منذ عشرين سنة ولم يعد يعرف عن مجتمعها الا ما روي له وقد نسي الراوي مثلا ان سكان المدينة العربي لا يمكن ان يسكتوا باي حال من الأحوال عن عملية اغتصاب بنت الحومة أمام منازلهم وتحت نوافذهم على مرأى ومسمع من أطفالهم وبناتهم في عصر لا يخلو فيه بيت ولا وكالة من هاتف قار او نقال للإتصال بالشرطة... كما نسي الراوي على ما يبدو ان يقول له ان أولاد الربط لا يمكن ان يغتصبوا بنت الحومة حتى وان كانت مومسا لا خوفا من شقيقها الذي كان على علم بما تأتيه فقط وانما لعقلية اخلاقية مازالت تحكم التعامل بين ابناء الربط الواحد. ثم ان عمليات الإغتصاب في بلادنا حتى وان استهدفت المومسات وبائعات الهوى يعاقب عليها القانون وقد تصل العقوبة الى عشرين سنة سجنا. طبعا نحن لا ننفي وقوع تلك الحادثة بل يمكن ان نصدق انها جرت بمثل ما حكاه المخرج ولكن الذي لا يمكن الموافقة عليه هو صيغة التعميم التي تناول بها المخرج موضوعه وعدم تحديد هويات الأبطال مما جعلهم أبطالا في المطلق لواقع معيش نتناوله في افلامنا لا أبطال حادثة معينة صارت في مكان ما في تاريخ ما لهم مشاكل مادية ونفسية واجتماعية معينة خاصة بهم لا بكل افراد المجتمع... على كل مهما كانت غاية المخرج نبيلة فاننا نعتذر له لأننا لم ندركها والسلطة الأبوية التي تحدث عنها في تقديم فيلمه إذ قال ان شبابنا لم يتمكن من قتلها «ونحن نقول تجاوزها» غاب كل حديث سلبي او ايجابي عنها في العمل ولم نستطع ان نفهم من الفيلم الا ما عرض علينا من صور اما ابعاده فقد استعصت علينا ان وجدت بالفعل خاصة ان الكلام في الفيلم قليل جدا جدا وقد كان الفعل سيد الموقف.