كما يحتفي المركز الثّقافي بالأدب والفنون التشكيلية والمسرح يولي اهتماما لا مثيل له بالفنّ السابع. ولعلّه اهتمام مشروع بهذا الفنّ الذي يؤثّر تأثيرا بالغا في الجمهور المتفرّج. فبفضل هذا الفضاء الثقافي بدأ الناس يتصالحون مع الابداعات التونسية والعربية الجيّدة. ولنحصر حديثنا في السينما في ورقتنا. استمتعت بأشرطة نوعيّة أعادتني الى الشّاشة الكبيرة التي قاطعتها منذ «أحلام المدينة» للمخرج العربي السوري محمد ملص. فالمركز الثقافي عرض «باب الشّمس» و»حليم» و»السّادات» وآخرها «اللّمبارة» لعلي العبيدي واليوم نشهد عرض شريط «عرس الذيب» Tendresse du Loup وهو عنوان شعريّ ينهل من قاع التّراث الرّيفي الرّعويّ في بلادنا. 1 ملخص الفيلم: في ليلة من ليالي تونس العاصمة القاسية ذات شتاء عنيد يغادر مصطفى الملقّب «صطوفا» البيت بعد أن أنبّه أبوه ثائرا غاضبا لينضمّ إلى مجموعة من الأصدقاء، مجموعة على شكل عصابة تجوب شوارع العاصمة دون هدف، فتعترضهم سلوى جميلة وثائرة هي أيضا متعاطية بيع الهوى. يتتالى أفراد المجموعة لاغتصاب «سلوى» لكن «صطوفا» يرفض اغتصابها، بيد أنّ البنت تصبّ جام غضبها عليه هو بالذّات وتنتقم عبره من المجموعة ينطلق الشاب جريحا وحانقا بحثا عن «سلوى» طوال اللّيل. هل أحبّها أم هل بغية قتلها؟ فكرة الفيلم كما يروي كاتب السّيناريو والمخرج «جيلاني سعدي» مأتاها درجة العنف التي تسود التّعامل بين أفراد المجتمع التونسي وقد هبّت عليه عواصف التحولات الهدّارة وهي مؤشر أزمة عميقة تشقّه. الشّريط يغوص في تلك التّناقضات التي تعصف بالشّباب التونسي فالعربيّ على حدّ سواء أغلبيّة ظاهرها مرح وأناقة وأحلام لا تُحدّ وباطنها حزن وألم وخيبة بعد خيبة. جيل سلبيّ مغترب لأنّه ببساطة سليل الجيل السّابق المتوّج بكلّ الهزائم والعاهات. 2 ملاحظات نقدية: تثير موجة الأفلام التونسية في ظاهرها بطبيعة التحوّلات المجتمعيّة. وكلّ المخرجين عندنا يزعمون التزامهم بقضايا النّاس وشتّان ما بين النّوايا والفعل الثقافي الذي في جوهره ابداع لابدّ أن تتوافر فيه الرسالة الفكريّة موازاة مع القيم الجماليّة والجودة التقنية. وشريط «عرس الذّيب» الذي شاهدت رغم موضوعه السّاخن والموضوع ملقى على الأرصفة لم يقنع النّفر القليل الذي حضر العرض، فما السّبب في استياء المتلقّي. الفلم بلا قصّة، بلا أحداث باستثناء واقعة الاغتصاب وكل ما جرى على اثرها توابع. غياب عناصر الحكاية حوّل العمل مشاهد جنس وعنف لفظيّ مبالغ فيه وليس بالضّرورة أن تكون دجاجة حتّى تعرف أنّ البيض فاسد! هزال السّيناريو متأتّ من ضعف بل من انعدام للقصّة التي غُيّبت وحلّ محلّها مجرّد فكرة أو انطباع لا يكفي لكتابة فلم متكامل العناصر مهما كانت عين المخرج (الكاميرا) ذكيّة وثاقبة. وليس من سبب لذلك سوى عدم اطلاع السّينمائيين على المكتوب السّردي التونسيّ على الأقلّ. هل قرأ «جيلاني السّعدي» قصّة الرسائل تصلنا دائما «لمحمد آيت ميهوب»؟ هل اطّلع على قصص «حسن المشري» في «انكسارات هشام السّعيد» وغيرهما كثير يحتاج فقط إلى بعض العناية لإعادة كتابتها كتابة سينمائية خلاّقة. الفيلم كذلك يمثّل رؤية سلبيّة جدّا فيقدّم صورة قاتمة، تلك الصّورة التي يبتهج لها الآخر في «باريس» و»ميلانو» و»روتردام» و»سان فرانسيسكو» فيتكرّم عليها بجوائز عطفا وشفقة بأصحابها المخرجين وهم أصحاب المقاولة الذين يجنون كلّ الأرباح (إن وُجدت) دون الممثّلين والتّقنيين بالتّأكيد. وبالمناسبة أهنّئ الممثلة «أنيسة داود» التي لعبت دور «سلوى» و»محمّد ريّع» في دور «صطوفا». الفنّان «جيلاني سعدي» يعيش في المهجر، ألم تهزّه رغبة في تصوير «شعب تونسيّ» بأكمله في ضواحي «باريس» أو «نيس» أو «مرسيليا» أو «ليون» أو... شتات في مأزق حقيقيّ (تهميش بطالة مسخ هويّة...) ورغم كلّ المآخذ التي رأيتها في «عرس الذّيب» أعلنها عاليا: تحيا السّينما، تحيا نيابوليس!