شكل العمل الجمعياتي مجالا خصبا لعمل الحركة الوطنية زمن الاستعمار ثم في بناء الدولة بعد 1956 لكن سرعان ما تم توجيهه وصولا لتفتيته بطريقة ممنهجة مباشرة بعد تولي المخلوع مقاليد الحكم في تونس من خلال الخلط حد الإدماج بين العمل الجمعياتي و العمل السياسي إضافة لهيمنة الفردانية والبيروقراطية داخل ما تبقى من جمعيات . خلال هذه الفترة الانتقالية التي تعتبر الأكثر تعقدا وتشابكا كان المؤمل أن يتشكل نسيج جمعياتي يعمل على تحقيق الأهداف المرتبطة بطبيعته كفعل نضالي جماعي من أجل تحقيق مطامح الجماهير في المشاركة في الحياة الثقافية و التربوية والسياسية لكنه انحصر تقريبا في السياسي من خلال كم هائل من أحزاب جلها افتراضي وحتى الجمعيات القليلة المكونة التي شُكلت لم تنفك من شروط النخبوية و انحصر عملها تقريبا في المدن الكبرى،وانطلاقا من أن العمل الجمعياتي يعتبر مجالا لتكوين الشباب خاصة وتأهيله للأدوار الموكولة له في معركة التغيير و التقدم و رافدا أساسيا من روافد العمل الجماهيري فيه تنتعش روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي وجب ألا يُشكل تزايد عدد الجمعيات مصدر خوف لسياسيينا الجدد إذا كانوا لا يريدون التحكم بقبضة من حديد في كل دواليب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مثلما كان سائدا لأن تمرُس أعضاء الجمعيات بالعمل التطوعي سيجعلهم يقتربون أكثر فأكثر من السياسة و ينخرطون لاحقا في عملها مستغلين تجربتهم حينها يتحول الفعل الجمعياتي طبعا المتشبع بقيم الديمقراطية والشفافية والاحترام إلى رافد أساسي مع باقي مكونات المجتمع المدني من اجل تحقيق تنمية مستديمة لأنه أكثر الملامسين للمشاكل المطروحة ،فهل سيكون للنسيج الجمعياتي مساهمة أكبر في الشأن العام بعد انتخابات المجلس التأسيسي و تشهد تونس طفرة جمعياتية كبيرة ؟ * مرب وناشط جمعياتي