جائزة ل«ميلانكوليّا» رغم حادثة «لارس فان تري» وتصريحاته حول النازية كان الفيلم الأمريكي «تري أوف لايف» أو شجرة الحياة للمخرج «تيرونس مالك»... الفيلم من بطولة النجمين «براد بيت» و«شين بان» الذي حصل على السّعفة الذهبيّة في الدّورة الرّابعة والسّتين لمهرجان «كان» الدّولي التي اختتمت مساء الأحد 22 ماي الجاري من ضمن أربعة أفلام كانت مرشحة أكثر من غيرها للفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان. وقد جاءت ردود الأفعال الفورية إثر الإعلان عن جوائز المهرجان بالصحافة العالمية لتؤكد هذا الأمر. فقد اعتبر أغلب المعلقين على الحدث أن جوائز لجنة التحكيم التي ترأسّها النّجم «روبارت دي نيرو « لم تكن في أغلبها مفاجئة للمهتمين. الأربعة افلام التي كاد يحصل حولها الإجماع هي وبالإضافة إلى الفيلم المتوج بالجائزة كل من: « الجلد حيث يسكن « للمخرج الإسباني» بيدرو آلمودوفار « وبطولة النجم «أنطونيو بانديرس» وميلانكوليا «للمخرج الدنماركي «لارس فان تري» والفيلم الياباني كذلك «إيشيمي» اخراج «تكاشي ميكا». مع العلم وأن عشرين فيلما ترشحت للمسابقة الرسمية في حين ضم البرنامج الرسمي للمهرجان 54 فيلما من بينها الوثائقي التونسي «لا خوف بعد اليوم» من اخراج مراد بن الشيخ.
تصفير واحتجاج وفوز بالجائزة الأهم
ولئن اعتبر المعلقون أن تتويج فيلم «شجرة الحياة» لم يكن بمثابة المفاجأة فإن عرضه أمام الإعلاميين في صبيحة الإربعاء 18 ماي الجاري أثار جدلا بين الحضور حتى أنّ جانبا من الصحفييّن بالقاعة الكبرى بقصر المهرجان ب»كان « قابلوا الفيلم بالتصفير والإحتجاج. الصحافة الفرنسية كانت بدورها منقسمة بين مؤيد بقوة للفيلم وبين رافض له مراهنة على سقوط المخرج ونهايته سينمائيا. وبطبيعة الحال كانت الكلمة الأخيرة لمن أيّد الفيلم الذي تروج له بفرنسا شركة توزيع فرنسية بإدارة « لوك بيسون». تدور أحداث الفيلم الذي لا يخلو من الغرائبيات حول «جاك» ( براد بيت ) الذي كان يعيش صراعا مع والد أناه مضخمة إلى درجة كبيرة ولا يخفف من حدة هذا الصراع سوى وجود والدة محبة وودودة إلا أن ميلاد شقيقين لجاك يخلق معادلة جديدة بالنسبة لجاك ويجعله مضطرا للتعامل مع هذا الوضع الجديد أي تقاسم محبة الوالدة مع أخويه ومقاومة أنانية الوالد المستفحلة. لكن حتى نظام الحياة هذا الذي لا يخلو من مصاعب لا يبقى على حاله وتعيش الأسرة حادثا تراجيديا ( وفاة أحد الأشقاء ) وهو ما يجعل الأحداث تأخذا منعرجا جديدا ونسقا آخر. يحاول الفيلم أن يتبع خطا يوازي بين نشأة الحياة على الأرض وبين حياة بطل الفيلم حيث يضع المخرج النجمين «براد بيت» وشين بان» في مواجهة سينمائية جعلتهما يفجّران كل ما عندهما من طاقة وموهبة. المخرج المتوج ذو الأصل اللبناني اللغز الذي يحيّر النقاد ولئن تعوّد المخرج « تيرنس مالك « ذو الجذور اللبنانية (فوالده من أصل لبناني )على التتويجات الهامة فقد سبق له مثلا وأنّ حصل على جائزة الدبّ الذّهبي أبرز جائزة بمهرجان برلين السينمائي الدولي وسبق له كذلك الحصول على أحد جوائز مهرجان « كان « فإنه مقلّ جدا في الإنتاج. لم يقدم في تاريخه السينمائي الذي يصل إلى أربعين سنة سوى خمسة أفلام (على التوالي : جولة متوحشة وحصاد السماء والخط الأحمر والعالم والجديد وشجرة العائلة ). ولئن كان هناك إجماع حول قيمة الرّجل السينمائية حيث تصنف أفلامه ضمن كلاسيكيات السينما العالمية فإن أعماله عادة ما يرافقها جدل وانقسامات لدى نقاد السينما حيث تتراوح ردود الأفعال بين الترحيب والنقد اللاذع وهو ما حصل مثلا مع فيلمه الأخير لما عرض أمام الإعلاميين ب»كان». سينما الرجل قريبة جدا من الطبيعة وفيها نزعة فلسفية ووجدانية وروحانيات عالية. مع العلم وأن المخرج لم يتسلم بنفسه الجائزة وتسلمها بدلا عنه منتج الفيلم فهو معروف عنه عدم التعامل مع الإعلام ورفضه القاطع أن يظهر أمام عدسات وكاميراهات المصورين ولا يأبه تماما بالنجومية ولا يغره مهرجان في قيمة مهرجان» كان «الدولي الذي يتهافت عليه النجوم من أنحاء العالم. «منبع النساء» المغربي يخرج خالي الوفاض يمنح مهرجان «كان الدّولي» مجموعة أخرى من الجوائز فقد حصل الفلمان «الطفل على الدراجة» للإخوين «داردان» و«كان يا مكان بالأناضول» الفيلم التركي للمخرج «نوري بيلج جيلان» على الجائزة الكبرى بالتناصف وقد حاز الممثل الفرنسي «جون ديجاردان « على جائزة أفضل ممثل عن فيلم «الأرتسيت» الذي لم يترك انطباعا كبيرا لدى النقاد وحازت الممثلة «كريستن دانست» على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم « ميلانكوليّا» رغم الحادثة التي تسبّب فيها المخرج «لارس فان تري» خلال مؤتمره الصّحفي وتعليقاته المثيرة حول النازية. جائزة أفضل إخراج عادت إلى «نيكولا وادينغ رافن»عن فيلم «داريف» رغم أن النقاد صنفوه ضمن صنف «ب» من الأفلام ونال «جوزيف سيدار» جائزة أفضل سيناريو. ومنحت لجنة تحكيم المهرجان جائزتها لفيلم «بوليس» ل«مانواين» أما جائزة أفضل فيلم قصير فقد عادت إلى «كروس كانتري» «لمارينا فرودا». جائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح للعمل الأول كانت من نصيب «بابلو دجيورجيلي» عن فيلم « لاس آكاسيا». أما الفيلم الذي من المفروض أنه يمثل المنطقة العربية أو على الأقل المغاربية فقد انتظر أصحابه إلى آخر يوم من المهرجان (21 ماي) قبل عرضه. فيلم منبع النساء من اخراج الفرنكو روماني «رادي ميهايلونو» وتم تصويره بالمغرب وهو كذلك من انتاج مغربي. وقد شاركت فيه الممثلة الفرنسية من أصل تونسي حفصية حرزي والممثلة الجزائرية المعروفة «بيونة «لم يحصل على أي جائزة ولكنه مقابل ذلك أثار اهتمام النقاد الذي استقبلوه بلطف. وجد النقاد في هذا الفيلم الذي اهتم بعالم النساء بعض أجواء ألف ليلة وليلة واستلطفوا فيه نعومة البنات اللواتي شاركن في بطولته. كما أن لحظة مرور المغاربة على السجاد الأحمر كانت ملفتة للإنتباه وغير مسبوقة في تاريخ المهرجان حيث استنجد أشقّاؤنا المغاربة بفرق للفنون الشعبية.