من باب الفضول - ليس الا - عن لي - مساء أمس الأول ( الأحد ) - أن أعمل «طلة» خاطفة على قناة «حنبعل» فكان أن وجدت نفسي وجها لوجه مع المؤرخ والباحث الدكتور محمد الطالبي فاستقر رأيي - على الفور - أن أبقى مع هذه القناة التلفزية الخاصة المثيرة للجدل ( حتى لا أقول «شيئا» آخر ) وألا أغادر - مؤقتا - الى سواها من القنوات - لا فقط - لأن محمد الطالبي مفكر وباحث وأكاديمي تونسي بارز وصاحب مواقف وأفكار جريئة في مجال «الاسلاميات» والفكر الديني وانما أيضا لأن الرجل يعتبر «شخصية ثقافية اشكالية» بأتم معنى الكلمة... فضلا عن أنه يذكرني - وهذا انطباع شخصي - بالحسن البصري ذلك المتكلم والعابد الذي اختلفت فيه كل الفرق في عهده... فكانت كل فرقة تدعي أن الحسن البصري «منها ولها»... ما تطلعت الى معرفته بالدرجة الأولى - من خلال عزمي ليلتها «البقاء» ولبضع الوقت مع قناة حنبعل - ليس الاستماع الى محمد الطالبي - على أهمية ذلك - لأن «أفكار» الرجل باتت معروفة وكتبه التي ضمنها مواقفه المعرفية و«مناظراته» الفكرية مع خصومه منشورة ورائجة وانما تبين هوية شخصية محاوره واسم البرنامج الذي استضافه قائلا في نفسي : لا بد أن الشبكة البرامجية لقناة «حنبعل» قد وقع تطعيمها ببرنامج ثقافي حواري من طراز رفيع... ولا بد أن الدكتور محمد الطالبي هو فاتحة ضيوف هذا البرنامج الجديد... ثم مباشرة - ولا أدري لماذا - تكهنت بيني وبين نفسي أن يكون الأستاذ فرج شوشان - مثلا - أو الاذاعي الأديب محمد مصمولي هو القائم على محاورة الضيف و»الابحار» في عمق فكره وذهنيته المعرفية... ولكن سريعا ما أسقط في يدي عندما تبين لي أن البرنامج الذي أشاهد والذي يتحدث في اطاره الدكتور محمد الطالبي هو ذاك الذي يقدمه وليد الزراع وعنوانه «بلا مجاملة» والتي تجتهد هالة الذوادي أسبوعيا في جمع مادته «الثقافية» أقول «أسقط في يدي» - لا استنقاصا من قيمة البرنامج في ذاته أو طعنا في كفاءة القائمين عليه - وانما لأنني منيت النفس حقا بجلسة حوارية فكرية تكون معرفيا في حجم القيمة الأكاديمية والعلمية للضيف وأفكاره ولكنني لم أظفر - في النهاية - الا بما يشبه «اللمة» الخفيفة التي تخللتها «دردشة» بسيطة وغير ذات قيمة مع الضيف حامت حول مجوع ما يطرح في مؤلفاته من أفكار وما يقترح من «توجهات» على مستوى التعاطي «الحداثي» مع النصوص الدينية والتراث الديني... طبعا ، سيكون من العيب ومن اللاأخلاقي أن أستغل هذه الورقة لأطعن في زملائي الاعلاميين القائمين على تنشيط برنامج «بلا مجاملة»... خاصة وأنني أكن الاحترام لأغلبهم... ولكن الوضعية التي بدا من خلالها الدكتور محمد الطالبي ليلتها - وهو يجهد نفسه للاجابة عن أسئلة بدت في أغلبها «هامشية» وغير ذات معنى معرفيا وثقافيا مقارنة بمكانته الأكاديمية والتي جعلته يبدو «غريبا» بل قل «كصالح في ثمود» هي التي حفزتني لكتابة هذه الكلمات وأن أقترح على «جماعة» برنامج «بلا مجاملة» أن يقطعوا مع أسلوب «السندويتش» والريبورتاجات الشارعية السريعة والخفيفة خاصة عندما يتعلق الأمر بضيف أو اسم لرجل ثقافة من طينة محمد الطالبي... لأن الباحث والمفكر الدكتور محمد الطالبي لا هو سلمى بكار ولا حتى عبد الفتاح مورو... ربما كان من الأسلم للبرنامج وللقائمين عليه لو أنهم اكتفوا بتغطية حفل التكريم الذي أقيم بفضاء «بيت الحكمة» للدكتور محمد الطالبي بمناسبة صدور كتابه الجديد «ديانتي هي حريتي» وأن يقنعوا بتصريح منه بالمناسبة... أما عقد جلسة «فكرية» معه وتخصيص حلقة كاملة للحدث فذلك كان يتطلب بالكامل - في رأينا - أن يترك جماعة «بلا مجاملة» مكانهم في «البلاتوه» لشخصيات أكاديمية تدخل في حوار معرفي وثقافي عميق وثري مع محمد الطالبي... والحقيقة أنهم لو فعلوا ذلك - ليلتها - لم يكن لينقص من جهدهم شيئا لأنه - من جهة - ليس عيبا - أصلا - أن تكون هالة الذوادي - مثلا - غير مؤهلة لادارة حوار أو مناقشة الدكتور محمد الطالبي على اعتبار قاعدة «لا يكلف الله نفسا الا وسعها»... ولأن ذلك - من جهة أخرى - كان سيتيح للجماعة فرصة استراحة واختفاء واسترداد أنفاس - ولو مرة في الشهر - حتى لا يملهم المشاهد... لأن العسل - حتى العسل - فان الاكثار منه يجعله «يمساط» - كما تعرفون -... ان «التعاطي» تلفزيونيا مع شخصيات ثقافية وأكاديمية وطنية في حجم الدكتور محمد الطالبي يتطلب القطع مع الاستسهال والتبسيط ومحاولة «الاستدراج» الاعلامي السخيف والمفضوح الى مناطق ومساحات ومواضيع ليست في مستوى فكر الرجل واهتماماته مثل محاولة تقديمه - مثلا - على أنه عدو ايديولوجي لراشد الغنوشي أو لحركة النهضة أو للاسلاميين - عامة -... ذلك أن الدكتور محمد الطالبي المفكر والمؤرخ ليست له عداوات ايديولوجية مع أي كان لأنه ليس رجل ايديولوجيا بل هو رجل فكر ومعرفة... وانما له قراءات تقدمية للموروث الديني والفكري في التاريخ الاسلامي تختلف مع قراءات بعض السلفيين - من جهة - وكذلك حتى مع بعض الحداثيين ( عبد المجيد الشرفي - من جهة أخرى - ). ربما كان سيبدو مقبولا أن تأتي حلقة أمس الأول من برنامج «بلا مجاملة» على تلك الشاكلة المهزوزة والهشة - ثقافيا ومعرفيا - لو أن الضيفة الرئيسية كانت باحثة شابة ومبتدئة كالأستاذة ألفة يوسف أو الأستاذة آمال القرامي - مثلا - التي لم يكن حضورها بدوره - ليلتها - في مستوى «الرهان» الفكري والمعرفي الذي طرحته على نفسها هذه الحلقة من برنامج «بلا مجاملة»... أما أن يكون الضيف الرئيسي هو محمد الطالبي المفكر والمؤرخ فذلك كان يتطلب «عملا» أكثر جدية وجهدا تبين بالكاشف - وهذا نقوله بكل أسف - أن لا قبل لجماعة «بلا مجاملة» به...