هيمنة «الداخلية» و»التجمع» على العمل الاجتماعي من أبرز المعضلات، ومركزية القرار تزيد الطين بلة في بادرة لرد البعض من جميل تونس عليه ووضع خبرته وكفاءته في التسيير على ذمة إحدى مؤسساتها، تطوع الخبير حسين العبعاب المختص في تحسين فاعلية المؤسسة للقيام بدراسة لتحسين فاعلية أداء وزارة الشؤون الاجتماعية استنادا إلى جملة من المعايير والعناصر العلمية التي يتعين الاحتكام والاستناد إليها معتبرا تغييبها في إدارة المرفق العام كما الخاص من المظاهر المخلة بأداء مهامها. وفي لقاء بالسيد العبعاب صاحب مكتب دراسات بتونس وفرنسا جمعنا به عشية انعقاد اجتماع عمل مقرر اليوم بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة للوقوف على حصيلة نشاط المرحلة الأولى التشخيصية للاستشارة التي يعدها بالتعاون مع 5 فرق عمل وذلك قبل الانطلاق في المرحلة الثانية المتضمنة لمقترحات وحلول عملية لمجابهة النقائص المسجلة تحدث ضيفنا عما تم رصده من معوقات وإشكالات من شأنها تكبيل المهام الموكولة لهذه الوزارة وطرق معالجتها وتحليل مدى انسحاب العلل المشخصة على الإدارة التونسية في مفهومها الشامل والبحث في أسبابها قبل أعراضها للوصول إلى الوصفة العلاجية الأنسب لها وذلك استنادا إلى كم تجاربه وخبراته المكتسبة من العمل في مواقع المسؤولية في عدد من المؤسسات الغربية الكبرى في مجالات تنمية الموارد البشرية والإدارة المالية وتحسين فاعلية المؤسسة هذا إلى جانب إحرازه على الدكتوراه في الإعلامية.
التداخل بين السياسي والاجتماعي
لدى استعراضه لأبرز النقائص المسجلة عند رصد طرق عمل الوزارة في شتى مستوياتها المحلية والجهوية والمركزية توقف الخبير عند إشكالية تداخل السياسي في العمل الاجتماعي معتبرا إياها من أبرز المعضلات التي تحول دون بلوغ الهدف المنشود. من ذلك أن بعض البرامج الاجتماعية فقدت الكثير من مصداقيتها سابقا بعد أن استحوذت عليها جهات كان يفترض أن تظل على مسافة محترمة من الشأن الاجتماعي حتى يحقق أهدافه ومنها أساسا حزب «التجمع» المنحل ووزارة الداخلية حيث كان للوالي أو المعتمد الكلمة الأخيرة في تحديد قائمة المنتفعين بالمساعدات والتدخلات دون اعتبار لما يقوم به العون الاجتماعي من بحث ميداني ورصد للأجدر بهذه المساعدات رغم أن تقاريره الفنية كان يفترض أن تراعى دون جدال أو نقاش وهو ما يدفع إلى رفع نقاط استفهام حول شفافية بعض الممارسات بفعل تدخل السياسي في الشأن الاجتماعي. ولئن استنكر الخبير حسين العبعاب هذا التداخل في المهام إلى حد الهيمنة والاستحواذ فإنه أكد بالتوازي على أهمية تكامل الادوار على خلفية أن عمل «الشؤون الاجتماعية» ليس معزولا عن بقية الوزارات وأهمها التجهيز والصحة والداخلية، دون أن يعني ذلك الذوبان والتلاشي. ورأى أن مبادرة الأعوان الاجتماعيين بعد الثورة بطلب الاستقلال عن الدوائر السياسية الرسمية إيجابي للغاية على مستوى المقر وسلطة القرار مثمنا ما يبذله هذا السلك من مجهود لتعاطيه اليومي بحنكة وصبر مع زخم هائل من المشاكل والقضايا الاجتماعية.
مصعد ينزل ولا يصعد
من النقائص التي تم تشخيصها والتي ساهم في بلورتها العاملون في الوزارة في إطار تفاعلهم مع الأسئلة المطروحة عليهم الإشكال الأزلي الذي ينسحب على مختلف الإدارات العمومية والمتمثل في مركزية مفرطة للقرار ما يجعل مصعد القرار يتخذ اتجاها واحدا هو النزول دون الصعود ويتم تغييب رؤى ومقترحات القاعدة لتظل مقيدة بتعليمات فوقية. كما تم التوقف عند معضلة التغييب الكلي لعنصر الموارد البشرية والتغافل عن حسن توظيف طاقاتها حسب معايير النجاعة منذ عملية الانتداب إلى التقدم في المسار المهني على أساس الكفاءة والاهتداء السليم في تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب. من النقائص كذلك ما تعلق بغياب رؤية موحدة ومحددة لمهام الإدارة في شتى مستوياتها ولطبيعة مكونات ومهام البرامج الاجتماعية كبرنامج مقاومة الفقر. من الهنات المسجلة أيضا ما لوحظ من انعدام لثقافة التقييم للبرامج المنجزة علاوة على غياب منظومة معلوماتية متكاملة تجمع بين البعد التكنولوجي وبين مرجعية ترتيبية تحدد بدقة مدونة المهام. للإشارة فإن أوجاع العمل الإداري لوزارة الشؤون الاجتماعية سينطلق في اقتراح وصفة علاجها مباشرة بعد لقاء اليوم بعيدا عن المسكنات الظرفية على اعتبار أن استكمال الدراسة الخاصة بتحسين فاعلية أداء الوزارة يستغرق ستة أشهر. هذا ويحدو محدثنا أمل كبير في تفاعل وزير الشؤون الاجتماعية مع هذه الدراسة التي ستنتهي إلى تحديد النقائص وأولويات التدخل وضبط أجندا التدخلات ومتابعتها.
مشاكل واحدة وحلول على المقاس
اعتبر العبعاب أن نقائص الإدارة التونسية واحدة مهما اختلفت مهامها لكنه يرى أن العلاج يجب أن يكون حسب خصوصية كل إدارة، لافتا النظر إلى أن أبرز ما يجب أن تسرع الإدارة بتغييره في تعاملها مع المواطن هو التخلي عن اعتبار أن ما تقدمه من خدمات من باب التمزي وليس حقا داعيا إلى تطوير هذه العلاقة والتعامل معه كشريك لتستعيد ثقته في الإدارة. وخلص الخبير إلى القول إن تحسين فاعلية أداء المؤسسة تجارية كانت أم إدارية يرتكز على العناصر السابقة الذكر وهي للأسف مغيبة في العديد منها وتهم أساسا اعتماد نظرة مستقبلية توضح المهام والأهداف والتناغم والتكامل في القرار بين المركزي والجهوي والمحلي وحسن استغلال الموارد البشرية وتثمين طاقاتها وتوفر منظومة معلوماتية شاملة إلى جانب ثقافة التقييم التي يتعين في رأيه أن تلج تقاليد العمل الإداري.