تم في سهرة الجمعة بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة تقديم عرض «لمة الأغنية البديلة»، الذي نظمته جمعية السبيل للإحاطة بالأم والطفل، بمشاركة ثلة من رموز الأغنية الملتزمة في بلادنا ك»مجموعة عيون الكلام» التي تضم أمال الحمروني وخميس البحري والزين الصافي وفرقة «أولاد المناجم» ومجموعة «الحمائم البيض» الساحرة. فالنمط الموسيقي والغنائي الذي تقدمه مثل هذه المجموعات أو الأفراد لم يعد حكرا على نوعية محددة من المتلقين تكون من النخب من الشباب الطالبي أو غيرهم من محبي الأغنية الملتزمة الهادفة والكلمة المعبرة والموسيقى الراقية وإنما أصبح هذا اللون الغنائي - قبلة قاعدة كبيرة من الجماهير التونسية. لذلك ما انفكت تستقطب أعدادا كبيرة من الجماهير من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية. وقد كان هذا العرض شهادة حية تؤكد ذلك. نجح المشاركون في الحفل في احتواء الحاضرين من خلال دفعهم للتماهي مع مضامين الأغاني الفكرية الإجتماعية والإنسانية والإيقاع الموسيقي في رحلة احتفالية ذات منحى ثوري، على امتداد أكثر من ثلاث ساعات، تحتفي في مجملها بالإنسان.
أغان لشد الهمم
وكان الإفتتاح مع الثنائي الزين الصافي في الغناء والعزف على آلة العود ومعز كسيلة في العزف على الإيقاع. استمتع الجمهور بمجموعة من أغانيه القديمة ك»يا ولدي» التي كتب كلماتها آدم فتحي و»يا جمال» التي رددها معه الجمهور و»من أين لكم هذا» للشاعر الصغير أولاد أحمد. ومن أغانيه الجديدة والتي أداها في هذا العرض لأول مرة أغنية « ردوا سلامي للكاهنة يا ابن غذاهم» للشاعر بلقاسم يعقوبي. وكانت وصلة الزين الصافي تمهيدا وتهيئة للجماهير الحاضرة لسماع نوعية أخرى من الأغاني التي تحث الفرد والمجموعة على شد الهمم والوثوق بالإرادة الذاتية والانسانية في أن يكون مواطنا صالحا وفاعلا في إطار المجموعة التي يعيش معها وفي وطنه وتقرير مصيره. وهو ما تضمنته أغاني فرقة أولاد المناجم من خلال أغان على غرار»قول كلمتك تجيب الخبر» ونشيد الشعب» و»أنت يا وردة انت يا فلة « للشاعر الصغير أولاد احمد التي تم إهداؤها للمرأة التونسية من أجل المساواة بين المرأة والرجل وإلى كل نفس نسائي ديمقراطي يحارب رياح الردة. وقد كانت كل الأغاني التي قدمتها هذه الفرقة تذرف دموع الحب والوفاء وتتغنى بالحياة الخالية من مضامين الاستبداد والتهميش والعنف والتعذيب والقتل منها «خلوا الصحافة» وتونس أم الفاضل ساسي ( أحد شهداء ثورة الخبز في الثمانينات وقد تغنى بها أغلب المشاركين في العرض كل على طريقته).
أمال الحمروني والجديد الجديد
وصلة مجموعة «عيون الكلام» كانت مخالفة لما انتظره الحاضرون الذين ، وبمجرد صعود امال الحمروني على الركح، رددوا أغاني»خوذ البسيسة» و»يا أمي لا تبكي وغيرها من الأغاني التي عرفت بها هذه الفنانة عندما كانت تنشط ضمن مجموعة البحث الموسيقي صحبة رفيق دربها خميس البحري، لكن هذا الثنائي أصر على الاكتفاء بتقديم الأغاني الجديدة التي أنجزها بعد الثورة بهدف الترويج لها لأنها تعبر عن مواضيع تعد من الهواجس والمشاغل الجديدة للمواطن التونسي خاصة والعربي عامة فغنوا «ارفع راسك في الفلوجة.. ارفع راسك في بوزيد والقصرين» و»قمرة يا الوقادة « ونساء بلادي» ويا بلد نسج خيال» أبدع في كتابة كلماتها الشاعر الطيب بوعلاق. وكانت خاتمة رحلة الاستمتاع الفكري والتاريخي والموسيقي مع « الحمائم البيض» من خلال لحظات موسيقية ساحرة تخاطب العقل والحواس بعيدا عن هوس الإيقاع الراقص ومرج الكلام الركيك والمعاني التافهة والمفرغة من المعاني الهادفة. حيث قدم الرباعي الياس القبي على آلة كولبري وشقيقه حشاد في العزف على آلة العود وشقيقهما زكريا على القيثارة وعمار القاسمي على الناي ألحانا شدت الحاضرين في عرض خال من أي بهرج غير قابل للنسيان كما أنهم غنوا على طريقتهم «الشعب يريد اسقاط النظام في توزيع خاص بهم». وكان عمار القاسمي قد أمن المقدمات الشعرية والفكرية تمهيدا لوصلات الموسيقية كفيلة بشد المتفرج طيلة العرض الذي كان رموز الأغنية الملتزمة في الوطن العربي وتونس حاضرين فيه سواء من خلال ترديد بعض أغانيهم أو من خلال تكريمهم بإهداءات خاصة بهم ومن بينهم حمادي العجيمي والشيخ إمام عيسى وشفيق الحكيمي وغيرهم.