تعوّد اغلب السّاسة على سياسة الحزب الواحد لاختزال الشعب فيما يتولى الحاكم الواحد اختزال الحزب فيختزل بالتالي الشعب بأكمله و هذه السياسة هي تلك الدكتاتورية في أجلى مظاهرها و التي تنتج الظلم و الحرمان. ونتيجة لما عاشه الشعب التونسي من كبت و قهر و ظلم خلال عقود طويلة ، ظهرت بعد احداث جانفي 2011 موجة من النقابات و في مختلف القطاعات حتى تلك التي لم نكن نتصور يوما ان تنطق مهما كانت ديمقراطيتنا في محاولة لاقامة نوع من التعويض عما فات و انشاء قوة مضادة للعربة التي خلفها الحمار وراءه. فلاحظنا حملة من الاتحادات في تكتلات للدفاع عن مصالحهم و شرح اوضاعهم فاعلنوا من خلالها الاضراب لتحقيق المطالب و الاحتجاج و الاعتصام. ومع النزعة المتصاعدة نحو القطيعة مع الماضي و عدم الاطمئنان حول المستقبل و ايجاد صمام أمان ، شرع كل قطاع في إنشاء نقابة تتسم بالدوام و الاستمرار و تتمتع بالشخصية المعنوية و الحق في تمثيل القطاع . إنّ العمل النقابي يجد موطنه في مزارع الظلم و الطغيان و القهر و الحرمان فهو انعكاس أرقى للدكتاتورية فكلما كثرت النقابات كان ذلك دليلا على تراجع الديمقراطيات . المنظمة النقابية جماعة إرادية تتكون بطريقة حرة و مستقلة بعيدا عن أية وصاية سواء من جانب الدولة أو من أية جهة اخرى وهي تدافع عن مصالح أعضائها و تقوم بتمثيلهم امام السلطات العامة و الجماعات الاخرى . تستخدم المنظمة النقابية لتحقيق أهدافها أساليب متعددة بعضها له طابع تنازعي مثل الاضراب و الآخر له طابع تعاوني مثل المشاركة في رسم الخطط و سياسات القطاع . و لكي يتسنى للمنظمة النقابية مباشرة مهامها بحرية و استقلالية بعيدا عن الوصاية و التهميش يكون لزاما أن تتمتع بالشخصية المعنوية و القانونية. تعتبرالنقابة شخصا من اشخاص القانون الخاص بالنظر الى طريقة تكوينها الخاضعة لإرادة افراد المهنة التي تمثلها فلا دخل لسلطة الاشراف فيها او تعيين اعضاء ادارتها كما ان النقابة لا تملك مع اعضائها صلاحيات السلطة العامة . و من أدوار النقابة الدفاع عن المصالح المهنية لأعضائها و ابرام الاتفاقيات و المشاركة في تخطيط السياسة العامة المهنية مع سلطة الاشراف كما تناقش وضعيات القطاع ومشاكله ومشاغله و شواغله . ثم ان النقابة تتمتع بجميع الحقوق الا ما كان منها ملازما لصفة الانسان الطبيعية و ذلك في الحدود التي قررها القانون و من ضمنها أن تكون لها ذمة مالية مستقلة و الاهلية وحق التقاضي و مقر خاص و موطن و جنسية واسم خاص و شعار يختاره اعضاؤها و عادة ما تنتخب كل نقابة مكتبها التنفيذي و طريقة الانتخاب يحددها القانون الاساسي . و من بين اهم المهام التي يضطلع بها المكتب التنفيذي الدفاع عن حقوق اصحاب القطاع و رعاية مصالحهم و العمل على تحسين شروط و ظروف العمل و الرقابة و التوجيه و المتابعة و الاشراف على نشاط اللجان النقابية و ابداء الراي في التشريعات التي تمس المهنة و الموافقة على الطرق التوافقية او التنازعية لتحقيق الأهداف المرسومة و التنسيق بين مختلف فروع النقابة . و لعل هذه المهام مرتبطة اساسا بحرية العمل النقابي و هذه الحرية هي تلك العملة التي لها وجهان وجه فردي وهو حرية الشخص في الانخراط في العمل النقابي أو رفضه او الانسحاب منه و وجه جماعي وهو حرية أبناء القطاع جميعا و دون تمييز في تكوين المنظمات النقابية دون اذن سابق و العمل بحرية و دون تدخل من الدولة و ذلك بقطع النظر عن آرائهم السياسية او توجهاتهم او انتماءاتهم فلا علاقة للعمل النقابي بالعمل السياسي و الجمعياتي فلا يحرم الشخص من حرية العمل النقابي بسبب المهنة اواللون او الجنس او العرق او العقيدة او الراي السياسي. وتجدر الاشارة في هذا الخصوص الى وجود امكانية تعدد المنظمات النقابية داخل القطاع الواحد وهو ما يعبر عنه بمبدا التعدد النقابي والذي هو أحد ركائز الحرية النقابية الذي يمنع الدولة من السيطرة على المنظمات النقابية . فبالتعدد النقابي لا تفقد الحركة النقابية استقلالها ولا تشيع الاتجاهات البيروقراطية كأسلوب للعمل النقابي ،فعدم التنافس يؤدي الى تراخي المنظمات النقابية في أدائها لواجبها. ووفقا لمبدإ الحرية النقابية فإنه لا يجوز أن تكون المنظمات النقابية عرضة للحلّ أو لوقف نشاطها بواسطة السلطة السياسية ،فلا يكون ذلك إلاّ بواسطة السلطة القضائية المحايدة والمستقلة عند وجود خرق للقانون من أية جهة كانت . وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب التشريعات في العالم تحرم بعض القطاعات من الحقّ في إنشاء نقابات ونذكر بالخصوص أفراد القوات المسلحة والشرطة والقضاة. ولعلّ هذا المنع يشرّع لاعتبارات أمنية ولاعتبار أن مرفق العدالة يوجد بوجود الانسان وينتهي به فلا يتصور وجود الانسان بدونه . ثمّ ان الاتفاقية الدولية لسنة 1948 والخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم قد أوردت هذا الاستثناء. ولعل المبرر في ذلك والى جانب اعتبارات العدالة والامن ،هو أنّ رجال واعوان هذه القطاعات يحملون صفة مزدوجة ، فهم يعملون مع الدولة لكن يمثلونها في ذات الوقت وهو ما يتعارض مع ممارسة الحق النقابي. لكن الدكترة المتزايدة للدكتاتورية زعزعت الثقة بين ابناء القطاع الواحدوبين مؤسسات الدولة والدولة فالنظرة للمستقبل نظرة تشاؤمية فهل يكون الحلّ في المساعي النقابية ام الانتماءات الحزبية؟ * مستشار الدائرة الجنائية بمحكمة سوسة