أن يلتقي رئيس الجمهورية المؤقت، السيد فؤاد المبزع بالرموز الأساسية للدولة، من الوزير الأول ووزير الداخلية ووزير الدفاع والفريق أول رشيد عمار، رئيس أركان الجيوش، لمناقشة الوضع الأمني، مؤشر على أن الملف الأمني بلغ مستوى معقدا للغاية تطلب هذا "الاستنفار" الكبير والضخم من أعلى هرم السلطة. صحيح أن الوضع الأمني يشهد تقلبات كثيرة منذ ثورة الرابع عشر من جانفي، في ضوء الانفلات الذي حصل في البلاد إبان الثورة المجيدة للشعب التونسي، لكن التطورات التي يشهدها القطر الليبي الشقيق منذ فترة، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية على البلاد، زد على ذلك الأحداث التي عرفتها منطقة المتلوي في مناسبتين خلال أقل من شهرين، علاوة على ما شهدته العاصمة في بداية شهر ماي الماضي، كل ذلك، من شأنه الترفيع في وتيرة المخاوف شعبيا ورسميا من الوضع الأمني غير المستقر، لأن الأمن، وبقطع النظر عن التحفظات التي يمكن أن نسجلها حول أداء بعض رموزه السابقين أوالحاليين، يبقى هو المفتاح الرئيسي لأي عملية استقرار سياسي واجتماعي، وهو الحصان الذي يجر خلفه بقية عربات الدولة. ويبدو أن التطورات الحاصلة في طريقة تعاطي الأجهزة الأمنية والعسكرية مع أحداث المتلوي غير المسبوقة في تاريخ البلاد، عجلت باجتماع الرئيس مبزع أمس مع أبرز قيادات الأمن والجيش والحكومة، خصوصا في ضوء التسريبات الإعلامية والسياسية التي تحدثت عن وجود خلاف بين الأمن والجيش في أسلوب مواجهة الأحداث، وهو ما عكسته الشكاوى التي رفعها عشرات التونسيين من سكان المتلوي، إلى الحكومة، ضدّ وزيري الداخلية والدفاع ووالي قفصة ومدير إقليم الأمن الوطني ورئيس منطقة أمن المتلوي، على خلفية الضحايا الذين سقطوا، وأعمال الحرق والنهب والتخريب التي حصلت في هذه الربوع. ولا شك أن التأخير الحاصل في مواجهة تلك الأحداث، والتردد الذي رافق أجهزة الأمن والجيش في التعاطي مع تلك المستجدات، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، لأن الأمر يتعلق باستقرار الوطن، وأمن المواطنين، وصورة البلاد أمام العالم. نتفهم تردد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتخوفها من ردود فعل الرأي العام التونسي، كما نتفهم خشية بعض الدوائر الأمنية من القضاء بعد أكثر من حادثة خرجت منها مورطة في الوقت الذي كانت تعتقد أنها ستنصف باعتبارها تقوم بوظيفتها وواجبها، لكننا لا يمكن أن نجد مبررا لصمت رجال الأمن والجيش إزاء الأعمال التي شهدتها المتلوي بتلك البشاعة والعنف الهمجي الذي سجل بين مواطنين من نفس الجهة. الانسجام بين الأمن والجيش، مهم في هذه المرحلة التاريخية الانتقالية، خصوصا وأن مواجهة أحداث بمثل خطورة ما حصل في المتلوي، يستوجب وقفة رجل واحد، لأن جاذبية الاستقرار والأمن مطلب الدولة والمجتمع على حدّ السواء.