متابعة للزيارات الميدانية التي نقوم بها من حين لآخر إلى مناطق الظل التي حاول المخلوع الإيهام أنها تحولت إلى جنة حطت"الصباح" رحالها هذه المرة بدوار العوالم التابع لولاية جندوبة والذي يضم بعض العائلات وعانى هو الآخر من الإقصاء والتهميش في العهد البائد سواء من الناحية اجتماعية أو التنموية. هؤلاء ضعاف الحال لا يملكون إلا قليلا من الماشية ووضعيتهم المادية والاجتماعية صعبة جدا وفلاحتهم حولية تعتمد على نزول الأمطار ورغم الحالة المزرية والصعوبات المعيشية التي يعانون منها ورغم الظلم والقهر وعدم اللامبالاة وجبروت مسؤولي هذه المنطقة من سلط مسؤولة ظلوا متمسكين بأراضيهم مكافحين شدائد الزمن، وعدم اهتمام الزمرة الفاسدة للنظام البائد بهم جعلهم صامدين متحدين كل العراقيل رغم ما يعانونه من تدهور للمرافق الأساسية وخاصة الحالة المتردية لمساكنهم البدائية إلى جانب المسلك الفلاحي الذي تم الوعد بتعبيده بعد معاينته من طرف مسؤول كبير في النظام السابق ورصد أمواله لكن إلى حد الآن مازال سكان الدوار ينتظرون والسؤال المطروح أين ذهبت هذه الأموال إن تم رصدها بالفعل؟ حالات مزرية في هذا الدوار التقينا بالخالة صلوحة بوكاري البالغة من العمر 63 سنة أرملة وفي كفالتها 7 أبناء منهم واحد معاق يدعى كريم ويبلغ من العمر 31 سنة وهي المسؤولة عنهم ومجبرة على توفير أبسط المتطلبات الحياتية لهم حتى لو كان ذلك على حساب صحتها التي أنهتها في خدمة الطين لتصنع منه أواني تبيعها كل أسبوع .. الخالة صلوحة ليس لها من متاع الدنيا إلا هذه الصنعة ورثتها عن أجدادها لتستعملها عند الشدة لتطعم منها أفراد أسرتها وخاصة ابنها المعاق الذي يتطلب علاجه مصاريف باهظة والحال أن له الأولوية في التداوي والتنقل المجاني وله الحق في كرسي متحرك ومنحة شهرية.. الخالة صلوحة بكت كثيرا حتي جفت دموعها وهي تسرد قصتها مع الفقر ومما زاد في قهرها أن عمدة المنطقة يعرف حالتها جيدا ولم يحاول مساعدتها حتى بتمكينها من دفتر علاج مجاني ومنحة تحسين المسكن. في هذا الدوار وجدنا حالة أخرى للعم خليفة ماجري البالغ من العمر 57 سنة وفي كفالته 8 أبناء وزوجة تعاني من الأعصاب ودواؤها يفوق 100 دينار في الأسبوع وهو عاطل عن العمل وغير منتفع بأي مساعدة مهما كان نوعها و حتي المسكن الذي يسكنه عبارة عن كوخ مهدد بالسقوط بين الحين والآخر.. عم خليفة بكى للحالة المرضية التي وصلت إليها زوجته وهو يراها تموت في اليوم ألف مرة ولا يستطيع أن يقدم لها أي خدمة مما أجبره على إرسال ابنته للعمل كمعينة منزلية لدى إحدى العائلات التونسية لتوفير ثمن الدواء إلى أم أبنائه... العم خليفة لا يطلب إلا دفتر علاج مجاني وأن يقع التدخل لتحسين مسكنه. اثر ذلك تحولنا إلي منزل العم الطيب الحمراني البالغ من العمر 80 سنة توفيت زوجته وتركت في كفالته ابنا معاقا فأصبح يقوم بدور الأب والأم لتوفير أبسط المتطلبات اليومية لابنه من دواء ومأكل وملبس و حتى لقمة العيش كان يحرم منها نفسه ليقدمها لفلذة كبده.. العم الطيب يعيش على ما يقدم له من مساعدات من طرف جيرانه ومعارفه وإلا لمات جوعا هو وابنه ورغم الآلام التي كان يحس بها فإنه راض عن ما كتبه الله له لكن أمنيته الوحيدة هو أن يقع تمكين ابنه من منحة العجز ودفتر العلاج. الحقيقة أني لم أر في حياتي رجلا يبكي كبكاء العم الطيب وكانت دموعه تنهمر بغزارة لتسقي الأرض التي يخاف أن يودعها ويترك ابنه وحيدا لا أنيس يؤنسه ولا جليس يجالسه ولا قلب طيب يحتضنه.. حرام أن نترك هؤلاء يتعذبون ويتألمون ويبكون من شدة الاحتياج لأن الجوع أرهقهم والبرد أضناهم والتعب أنهكهم ولا أحد أحس بهم وبمشاغلهم و بهمومهم وبجوعهم وبمرضهم ويكفيهم ما عانوه من عهد بورقيبة إلى عهد المخلوع.. الوصول إلى هذا الدوار سيرا على الأقدام صعب جدا لصعوبة المسالك والتضاريس وبعد المنازل عن بعضها البعض مما جعلنا نستعمل دابة للقيام بهذه المهمة التي كادت أن تفقدنا حياتنا وذلك إثر هجوم مجموعة من الكلاب علينا أثناء القيام بهذا التحقيق، وبالرغم من الآلام والدماء فقد كنا سعداء لأننا اتصلنا بالمعذبين في الأرض وبلغنا أصواتهم.