على خلاف ما اعتقد البعض أن إحالة ملف القضايا المتعلقة ببن علي مردها كون الرئيس السابق القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن إحالة الملف تمت على أساس الفصل 22 من القانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي ومفاده القيام بأعمال القتل والتحريض عليها.. وفي علاقة بالتعليمات والتسلسل الوظيفي المتعلق بخطة رئيس جمهورية، وبما أن هذه الجرائم المرتكبة في حق الشعب التونسي حصرت زمانيا بين 17 ديسمبر إلى 14 جانفي تاريخ هروب الرئيس المخلوع فإن هذه القضايا المتعلقة بذمة وزير الداخلية في شخص رفيق بالحاج قاسم وأحمد فريعة ضرورة باعتباره تقلد المنصب ثلاثة أيام قبل سقوط النظام وزين العابدين بن علي باعتباره أصدر أوامر القتل لإبراز خصوصيات المحاكمة العسكرية التي التبست مفاهيمها وأسالت الكثير من الحبر.. «الأسبوعي» التقت بالعميد مروان بوقرة الوكيل العام مدير القضاء العسكري لطرح خصوصيات التقاضي العسكري وبعض المسائل الأخرى.
ماهي خصوصية جهاز القضاء العسكري (على المستوى الفني)؟
إن القضاء العسكري هو جزء لا يتجزأ من المنظومة القضائية الوطنية التي تتميز بازدواجية السلط المكونة لها إذ تتألف من القضاء العدلي ومجلس الدولة. ويعتبر القضاء العسكري في تونس جهازا قضائيا متخصصا في المادة الجزائية العسكرية وذلك من خلال تطبيقه لأحكام القانون الجزائي العسكري وغيره من النصوص الجزائية الوطنية، وقد تم إحداثه منذ 10 جانفي 1957 بصدور مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وقد تزامن ذلك مع بعث أول نواة للجيش الوطني في 24 جوان 1956. وخلافا لبعض الدول التي اعتمدت نظاما قضائيا عسكريا مغلقا لا تداخل له مع القضاء العدلي فإن منظومة القضاء العسكري التونسي تعد متداخلة مع المنظومة الجزائية الوطنية ويبرز ذلك على مستوى الهياكل القضائية، إذ أن جميع الأحكام النهائية والقرارات الصادرة عن المحاكم العسكرية قابلة للطعن بالتعقيب أمام محكمة التعقيب باعتبارها الهيئة العليا لمراقبة سلامة تطبيق القانون، كما تنظر دائرة الاتهام المنتصبة بمقر محكمة الاستئناف في القضايا المحالة عليها من التحقيق العسكري أو العدلي على حد السواء. وبصفة عامة فإن أغلب الإجراءات المتبعة أمام النيابة العمومية العسكرية أو التحقيق أو أمام الدوائر الحكمية العسكرية هي نفسها المعتمدة لدى محاكم الحق العام وكل من عايش القضاء العسكري من متقاضين ومحامين يدركون ذلك جيدا. لكن ورغم هذا التداخل بين القضاء العسكري والقضاء العدلي على مستوى الاجراءات والهياكل والأفراد تبقى للقضاء العسكري خصوصيته، فهو بقدر ما يحمي مصلحة الدفاع الوطني ويحافظ على أسراره وعلى تماسك أفراده ويحقق العدل في صفوفهم، بقدر ما يحرص على ردع وزجر كل فرد من أفراد القوات المسلحة تسول له نفسه استغلال نفوذه أو تجاوز سلطته، خاصة في هذه الفترة التي تشهد مساهمة أفراد الجيش الوطني في حفظ الأمن والنظام العامين.
هل تعتبر المحاكمة العسكرية إجراء قضائيا استثنائيا أم محكمة قائمة الذات تنعقد دوريا في آجال معلومة؟
كما تدل على ذلك عبارة «محكمة عسكرية دائمة» فإن المحاكم العسكرية هي أجهزة قضائية قائمة الذات تنظر في القضايا ذات الصبغة الجزائية وفق قواعد اختصاص ضبطتها مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ويمكن حصرها في كل الجرائم التي لها علاقة بالشؤون العسكرية، وتتكون المحكمة العسكرية من دوائر حكمية جناحية وجنائية بتركيبة خماسية ودائرة القاضي المنفرد وتعقد جلساتها بصفة دورية ومنتظمة أسبوعيا حسب توزيع العمل بينها. فالمحاكم العسكرية شأنها شأن بقية محاكم الحق العام تتكون من جهاز النيابة العمومية وقلم التحقيق والدوائر الحكمية وتعتبر متخصصة في الشؤون العسكرية، مع احتفاظها ببعض الاجراءات الخاصة من ذلك أن أحكامها نهائية الدرجة لا تقبل الطعن بالاستئناف كما لا يمكن للمتضرر أن يقوم أمامها بالحق الشخصي أو أن يثير الدعوى العمومية على مسؤوليته الشخصية.
كيف يكون الترافع أمام هذه المحكمة وماهي الإجراءات التي يتبعها الدفاع؟
كما سبق أن بينا فإن المحاكم العسكرية تتبع نفس الإجراءات المعتمدة من قبل محاكم الحق العام من خلال تطبيق جميع القواعد الواردة بمجلة الاجراءات الجزائية وذلك بصريح الفصل 38 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية الذي نص على أنه: «تجري المحاكمة لدى المحاكم العسكرية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات الجنائية التونسي». وهكذا فإن حق الدفاع مضمون أمام المحاكم العسكرية الدائمة فلا وجود لاستثناءات خاصة بها، فللمتهم الحق في الدفاع عن نفسه ومناقشة التهم الموجهة له كما يمكنه الاستعانة بمحام للدفاع عنه في جميع القضايا وإذا ما تعلق الأمر بجناية ولم يقم بإنابة محام فإن المحكمة تقوم بتسخير محام يتولى الدفاع عنه.
هل ستكون جلسات المحاكمة علانية؟
ما من شك أن من أهم ضمانات المحاكمة العادلة هو مبدأ علانية الجلسة الذي كرسته مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية بالفصل 40 منها ونصه كالآتي: «المحاكمة علانية أمام المحكمة العسكرية ومخالفة ذلك يدخلها تحت طائلة البطلان..». ويبرز جليا أنه لا وجود لأحكام استثنائية فيما يخص مبدأ العلانية بل أن المحاكم العسكرية تتقيد بالقواعد العامة الواردة بمجلة الاجراءات الجزائية وكذلك بمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. ويمكن بالتالي لأهالي المتهم والمتضرر وغيرهم ممن يرغب في الحضور مواكبة سير الجلسات كما لو تعلق الأمر بقضية منشورة أمام إحدى الدوائر الجناحية أو الجنائية بالمحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف. وحول ما إذا كانت هذه المحاكمة ستبث تلفزيا أم لا فإني أقول قد تبث ولو أن ذلك قد يؤثر على تسليم الرئيس الفار لأنه سيحتج بأنه خضع لمحاكمة سياسية وليست قانونية.
الكل ينتظر موعد المحاكمة العسكرية فهل من جدول زمني لذلك؟
لا يمكن بتاتا تحديد وقت معين للمحاكمة فذلك يتطلب أولا استيفاء أعمال التحقيق التي لا يمكن أن يضبط لها جدول زمني مسبق.. ناهيك أن هذا التحقيق يجب أن يعود للنظر في الكثير من الأمور الفنية كأن تقوم مصلحة الطب الشرعي بإستخراج بعض الجثث وإعادة تشريعها للوقوف على سبب الوفاة وطبيعة الرصاص المستعمل وهذا يتطلب وقتا وإذنا من عائلات الشهداء.. فنحن نحاول قدر الإمكان الضغط على الجدول الزمني لكن نؤكد على السرعة وليس التسرع.