لا شيء يقف أمام الطموح والعزم الصادق فعزم المترشحين بصفة فردية وعن طريق المعاهد الخاصة للباكالوريا لا يحدوه عزم إذ أن جلهم أرباب عائلات ولهم التزامات مهنية واجتماعية ومع ذلك لم ينقطع الأمل في الحصول على شهادة الباكالوريا، التي بقيت حلما يراود الأغلبية الساحقة منهم رغم مرور الأيام والأعوام وتغيير المفاهيم وتبدل الأحوال.. دورة هذا العام تميزت بنجاح ست نساء انقطعن عن الدراسة وتوجهن إلى سوق الشغل منذ أعوام عديدة.. الطريف في ذلك أنهم ينتمون لنفس المعهد الخاص بالعاصمة ولكل واحدة منهن حكاية مع الباكالوريا.. كما أن ما يميز دورة باكالوريا هذا العام أن أكبر ناجحة سنّا في الدورة الرئيسية تنتمي للمجموعة المذكورة من نفس المعهد كما أنها في الأصل سيدة أعمال... «النوابغ» المذكورات هنّ إيمان ومنيرة ورفيقة ومنية اللائي التقتهن «الأسبوعي» وأيضا لطيفة السعيداني من مواليد 1957 وهي معلمة وقد دعمت ملفها بهذه الشهادة في انتظار مواصلة دراستها الجامعية بما يساهم في ارتقائها أيضا وناجية محمود من مواليد 1956 وتعمل هي الأخرى في اتصالات تونس وربة عائلة (لها ابن).. «الأسبوعي» توجهت إلى عدد من الناجحات المذكورات فكانت هذه آمالهن وتطلعاتهن... حلم منيرة العزيزي كانت متميزة في دراستها لكن عندما سقطت في امتحان الباكالوريا (شعبة علمية) منذ 20 عاما توجهت مباشرة إلى سوق الشغل وهي تعمل حاليا في البريد التونسي، إذ تقول عن فكرة العودة للدراسة «.. بقي الحلم الذي يراودني هو الحصول على شهادة الباكالوريا فأنا ربة عائلة ولديّ مسؤولية عائلية (ابنتان ووالدهما) لكنني حاولت أن أجد منفذا للعودة لمقاعد الدراسة دون أن يؤثر ذلك على عملي أو عائلتي التي ساندتني فإبنتي مثلا ستجتاز الدورة القادمة لمناظرة الباكالوريا وكنت أواكب الدروس صباحا وأعمل مساء..». ملاحظة حسن جدا.. الطموح وحب الدراسة لا حدود لهما لذلك تميّزت منيرة العزيزي الحاصلة على باكالوريا آداب بمعدل 14,61 وبملاحظة حسن جدا وعن مستقبلها في الدراسة والعمل تقول منية «أنا ابنة قطاع البريد وأتلقى تكوينا هاما لسنوات متتالية لكنني فضلت أن أضيف هذه شهادة الباكالوريا لملفي المهني، وبالإضافة إلى أني أسعدت العديد من زملائي وفاجأت آخرين فأنا من مواليد 1965 فإني أخيّر مواصلة دراستي الجامعية وتشدني اللغات وأفضل أن أوجه إلى شعبة الأنقليزية خاصة أن إرادتي شجعتني على المواصلة ووعدتني بتسهيل مهمتي من أجل الحصول على الإجازة..». مساندة وتعويض رفيقة بن صميدة هي الأخرى ممّن حققن النجاح الهام في حياتهن بإحراز الباكالوريا بعد عدة محاولات في الدورات السابقة لهذه المناظرة التي (حسب رأيها) لم تفقد قيمتها في الوسط التونسي إذ تقول «.. أنا ربّة عائلة ولديّ مسؤولية البيت والأبناء.. كما أني موظفة بصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية، وكنت رغم التزاماتي المهنية والعائلية أشارك كل سنة كمترشحة فردية في هذه المناظرة، وهذا العام اخترت الالتحاق بمعهد الرشاد أين واكبت الدروس وساعدني على ذلك زملائي في العمل حيث يتم تعويضي من حين لآخر حتى لا أتغيب عن الدروس، وبكثير من التضحية والتعب حقّقت النجاح وبلغت الحلم الذي ظل يراودني..». إرادة وأما عن مستقبلها الدراسي فهي تقول «.. شهادة الباكالوريا ستغير الكثير في حياتي المهنية والعائلية وبما أني أحظى بالتشجيع والمساعدة من جميع الأطراف فسأواصل دراستي الجامعية ولو أني لم أختر وجهتي بعد ولا فكرت في ذلك قبل الاطلاع جيدا على دليل التوجيه، لكن ما دامت الإرادة متوفرة فكلي عزم على الاستمرار وتحقيق النجاح الذي سيفيدني على مستوى حياتي الخاصة وأيضا مهنيا..». طموح بعد 12 عاما جربت فيها العمل في القطاع الخاص أدركت إيمان حسني أنه لا شيء يضاهي شهادة الباكالوريا التي تفتح الآفاق أمام الحاصل عليها فعادت إلى مقاعد الدراسة حيث تقول «شاركت في دورة 1999 وتأجلت لكنني لم أنجح فغادرت نحو سوق الشغل وعملت في مجال التأمين لكن عقدة الباكالوريا لم يقع حلها فقرّرت العودة للدراسة.. وها أني حققت المطلوب». تضحيات إيمان ضحّت ببعض المسائل من أجل الباكالوريا فهي من مواليد سنة 1968 كما أنها انقطعت عن العمل من أجل التفرّغ للدراسة إذ تقول عما حدث معها وعن وجهتها القادمة «.. كل امتحان أجتازه خلال السنة المنقضية كان ينتابني الخوف لكنني وجدت التشجيع من زملائي وزميلاتي والإطار التربوي... أعترف أني ضحيت بعملي من أجل الباكالوريا وسأختار شعبة فرنسية لأنني أحب اللغات وأتمنى أن أصبح مدرسة..». متميزون من جهة بيّن عبد العزيز بن منصور مدير معهد «الرشاد» أن قصة مؤسسته التعليمية مع النجاح في النوفيام والباكالوريا قديمة كما أن قصة نجاح كل من لم يسعفهم الحظ في السابق ودخلوا سوق الشغل ثم عادوا إلى مقاعد الدراسة عريقة مبرزا أن عددا هاما من الإطارات العليا المنتشرة اليوم في مؤسسات مختلفة كالدفاع والشرطة وغيرهما حصلوا على الباكالوريا في مؤسسته التربوية.. استثناءات ومن بين الاستثناءات العديدة التي مرّت على معهده قصة زوجين يعملان في قطاع السياحة لهما ثلاثة أبناء يقطنان بالسيجومي اختارا العودة إلى مقاعد الدراسة سنة 2007 وها أنهما اليوم يحققان أعلى درجات المعرفة فكلاهما مسجل في «المستار» وعازمان على نيل الدكتوراه... الزوجة من مواليد 1969 ورب العائلة من مواليد 1962 تحمّلا الصعاب وركزا على الدراسة رغم التزاماتهما العائلية وحصلا على الباكالوريا في السنة المذكورة وهما من بين الأوائل حاليا في الجامعة التونسية.. جدير بالذكر أن المترشحين من هذا المعهد الذي تميز بنتائجه 198 مترشحا لمناظرة الباكالوريا نجح منهم 81 وأجّل 73 زيادة عن أن الإدارة الجهوية للتعليم دائرة تونس2 قد حقّقت بدورها نسبة نجاح هامة على مستوى المعاهد العمومية والخاصة بلغت 62,87% في 18 مركز امتحان تابع لها...
الناجحة الأكبر عمرا وطنيا ل"الأسبوعي" حصلت على الباكالوريا عام 1978 لكنني أردت عيش تجربة وجودية في "باك 2011" "عملت مضيفة طيران.. أصبحت سيدة أعمال لكن لم يفارقني حلم دخول الجامعة».. السيدة "منية-ب" عمرها 57 عاما وقد تغلبت على أطوار عديدة طوال حياتها وعاشت تجارب فريدة مليئة بالتحديات والصعاب ورغم ما حدث معها لم تستسلم ولا أيضا صرفها عالم المال والأعمال عن تحقيق حلمها وهو دخول الجامعة... وأما الامتياز لسيدة الأعمال أنها تعتبر نفسها في مقتبل العمر ولا تكترث لسنها بل تتقد حيوية ونشاطا إذ تقول «.. لم أحس لحظة بفارق السن بيني وبين بقية المترشحين خاصة أني وجدت كل التشجيع من المحيطين بي فزوجي عميد كلية وابني مهندس وابنتي تستعد لمناقشة الدكتوراه في الإعلامية.. كما أنه لم يفارقني الإحساس يوما بأنه ينقصني شيء ما رغم ما حققته من نجاحات سواء على المستوى العائلي أو المهني فكنت كلما اختليت بنفسي وحاسبتها أحس أني مدفوعة إلى مواصلة الدراسة فما لا يعرفه عديدون هو أني اجتزت مناظرة الباكالوريا عام 1976 ولم يحالفني النجاح فتوجهت للعمل كمضيفة طيران في الخطوط التونسية وبعد عامين ترشحت بصفة فردية ونجحت عام 1978 لكن حياتي المهنية صرفتني عن المواصلة...». منية صامت طيلة الأسبوع المنقضي شكرا لله على هذا النجاح خاصة أنها تحصلت على معدل سنوي 17 من 20 ونالت معلقة شرف من معهدها وأحرزت في الباكالوريا معدل 11,11 وتتوق إلى مواصلة دراستها في كلية العلوم القانونية أو في اختصاص علم النفس باعتبارها هذا المجال إذ تقول «.. كنت دائما أعيش بشخصيتين مختلفتين واحدة لسيدة الأعمال الناجحة وربة البيت التي ترعى أسرتها وشخصية ثانية لمنية الانسانة إذ كنت أحاسب نفسي دائما حول ما حققته على المستوى الشخصي.. فقرّرت أن أعيش هذه التجربة الوجودية بالالتحاق بمعهد خاص للدراسة بعد أن توجهت منذ أعوام لمعهد نهج الباشا للحصول على بطاقة أعدادي الخاصة بباكالوريا 1978 لكنني لم أحصل عليها لعدم وجودها في الأرشيف مما حرمني من مواصلة دراستي الجامعية فاخترت اجتياز الباكالوريا من جديد هذا العام حيث لم أتخلف عن أية حصة واجتهدت وعشت التجربة الوجودية التي أردتها ولذلك أريد مواصلة دراستي الجامعية في اختصاص قانوني أو طبيبة نفسانية لأكون أيضا أكبر متخرجة من الجامعة سنّا..». عبد الوهاب الحاج علي