لماذا حكمنا الطغاة لأكثر من خمسة عقود؟ و هل يتحمّلون المسؤولية لما حصل لوحدهم أم الشّعب يتحمّلها معهم؟ و هل كان حتميّا أن نمرّ بنظام كلياني بعد الاستقلال؟ وهل كان حتميّا أن نمرّ بنظام كلياني بعد الاستقلال؟ و المسؤولية الكبرى لما حصل منذ الاستقلال إلى يومنا هذا هل يتحمّلها بورقيبة و نظامه أم أطياف أخري مثل النّظام الدّولي الذي تسيطر عليه الدول الغربية و بالنسبة لتونس المستعمر القديم فرنسا؟ و هل الشّعب التونسي يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية؟ و هل فوّت علينا بن علي فرصة الانعتاق و النهوض عندما تنكّر لمحتويات بيان 7 نوفمبر؟ و هل هو المسؤول لوحده على الانتكاسة أم النظام و كوادر الحزب و التدخل الدولي في الشؤون الوطنية وبعض الأطراف السياسية من المعارضة؟ و هل الرّجال الذين حكموا مع بورقيبة و أوصلونا لحافة الهاوية في الأيّام الأخيرة من نظامه يتحمّلون الجزء الأكبر من الدّمار و الكارثة التي نعيشها في هاته الأيام و نراهم اليوم يعودون إلى القمّة و هم من تسبّبوا في الانسداد السياسي بالأمس القريب؟ و هل انقلاب 7 نوفمبر كان الهدف منه إنقاذ البلاد أم إنقاذ النظام و رجاله و هل المرورإلى الفصل 57 كان في الإطار نفسه؟ و هل يمكن اعتبار تونس و شعبها و الشعوب العربية عموما ضحايا التآمر الداخلي و الخارجي؟ و هل النّخبة تتعامل بصدق وإخلاص من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي و الإصلاح السياسي أم أنّ التآمر متواصل على أشدّه؟ إنها متاهات من الأسئلة التي تتطلّب التحليل و التعمّق في الإجابة عليها و التّقييم و التّمحيص حتّى لا نعيد نفس الأخطاء و نبقى ندور في حلقة مفرغة تأتي على الأخضر و اليابس و تضيّع علينا وقتا ثمينا وطاقات و إمكانات نحن في أشدّ الحاجة إليها اليوم. صحيح سقط الدّكتاتور و لكن لم يسقط نظامه. فرموزه مازات تحكم و تتحكّم. و أداؤها مازال يغلب عليه التّذبذب و المراوغة و المماطلة و الغموض فهم « يقيسون البحر بسمارة » ويرقبون بانتباه و ريبة ردود أفعال الشّعب. و كلّما اشتدّت عليهم الضغوطات و كثرت الطلبات يقدّمون تنازلات أو بعض أكباش الفدى علّهم يخرجون من الورطة التي وقعوا فيها بأقل الخسائر و الأضرار، و هذا منتظر منهم. فبعد 55 سنة من القيادة و الحكم لا يمكنهم التّنازل عن هذا الأمر بسهولة. و للأمانة إن المواطنين و النخب التي انضمّت للحزب المنحل لا يمكن وضعهم كلهم في كيس واحد. فمنهم الطيب و الغث و الخبيث و النزيه. فهم مواطنون تونسيون نبتوا من تراب هذا الوطن و لم نستوردهم من الخارج و حديث الرسول واضح و جلي «كيف ما تكونوا يولّى عليكم» فالمطلوب من أجل تحقيق الإصلاح تغيير العقليات و ليس الاكتفاء بتغيير الأشخاص. أما الحكم الذي استبدّ بالبلاد و العباد طيلة أكثر من خمسة عقود لم يترك المجال للعمل و البروز و المشاركة في الشأن العام إلا لمن انخرط في حزبه، و كان الانضمام إما تملّقا أو خوفا أو من أجل الابتزاز وتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصلحة العليا للوطن أو دوسا للآخرين، و كل من خرج عن الصفّ و التحق بصفوف أحزاب المعارضة دون استثناء «المتصادمة و المعتدلة» رغم أنّها معترف بها و تعمل في إطار قانوني كان الإقصاء و التهميش من نصيبه. فمناضلوها كانوا يتعرضون لأصناف عدّة من الضغوطات والمضايقات و الحرمان و المكائد و السحق و التحطيم لا لشيء إلا بسبب القرار الخطير و المصيري الذي اتخذوه و الذي له تبعات كارثيّة على حياتهم و مستقبل أبنائهم وهو أنهم ارتكبوا جرم الانتماء لأحزاب المعارضة. فالمشرفون في الإدارة والحزب في الجهات لم يكونوا يفرّقون في التعامل مع مناضلي المعارضة اليوم الصاعدين الجدد على ركح السياسة. و من المؤكد أنّ بعضهم كان من المطبّلين و المتواطئين أو أقل ما يكون من المتفرّجين يصنّفون الأحزاب«موالاة و معارضة جدّيةّ» و يظلموننا و يتجنّون علينا رغم أننا قاسينا الأمرين من التجمعيين. فالموالاة لا يستفيد منها إلا الأمناء العامون و بعض المقربين منهم و ليس كل المنتمين إلى الحزب. و هذا معلوم من طرف الشعب و ثابت و مؤكّد. أمّا نحن، المناضلين الصادقين، في أحزاب المعارضة كنّا نجد أنفسنا بين نارين « بين مطرقة السلطة و سندان الأمناء العامين»، أي بين ضغوطات و ممارسات منتسبي الحزب الحاكم و نفاق و غدر و ممارسات الإقصاء داخل أحزابنا حتى لا نزاحمهم على المواقع المتقدمة. أما عن استقطاب المواطنين أو إقناعهم بالانضمام لأحزاب المعارضة لم يكن بالأمر الهين و كان شبه مستحيل. فالكل كان مرعوبا و خائفا من المشاركة السياسية عكس ما نشاهده من تكالب على تأسيس أحزاب و انخراط فيها هذه الأيام. و المطلوب المؤكد اليوم و بعد الثورة المعجزة من عند الله و التي لا دخل لأي طرف سياسي في اندلاعها و قيادتها هو الحاجة الأكيدة والملحة إلى تشخيص و تقييم المرحلة الممتدّة من الاستقلال إلى آخر يوم من نظام بن علي و الوقوف على الأسباب التي مكّنت الطغاة من السيطرة و الاستبداد حتى لا نعيد نفس الأخطاء و نسلّم الوطن لمستبدّ جديد. و يجب إخضاع كل من تجاوز و ظلم و تعدّى على حقوق الغير للمحاكمة العادلة من أجل استرداد الحقوق و إنصاف الناس و خاصة عدم التغاضي عما اقترفوه من تجاوزات و ظلم و إجرام في حق الشعب التونسي. و من أراد العفو و الصفح فله ذلك. فلا فائدة في التسويف والمماطلة و التمثيل على الشعوب. فكل ما حصل و يحصل سببه الإفلات من العقاب. و إن تمادينا على هذا النهج من عدم المحاسبة و العقاب فسنعود إلى الفوضى و الدمار من جديد و لن يرتدع المجرمون الظالمون. فالعقاب و المحاسبة عبرة للمتجاوزين و المعتدين على حرمة الوطن وحقوق الغير. و ليكن شعارنا ولاء خالصا لتونس و ليس للأشخاص. ولنجعل تونس و القانون فوق الجميع. *ناشط سياسي و برلماني سابق