في العادة، تُعد الانتخابات المحرار السياسي الذي وفقه يتم التعرف على درجة جماهيرية الأحزاب وشعبيتها. ورغم دخول علم الاحصاء وعمليات سبر الآراء الخط من أجل اعطاء بعض المؤشرات حول صورة المشهد السياسي، فإنها تبقى، في العديد من الأحيان، أدوات مطعونا في نتائجها لعدة أسباب ليس هذا المجال للتطرق اليها. وما لم تقع الانتخابات في تونس بعد، لا يصح بتاتا الحديث عن تراتبية لأوزان الأحزاب وتصنيفا لها. وما لا يمكن التأكد منه حاليا، في انتظار موعد انتخاب المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر، هو أن هناك حركات سياسية لديها خطط استراتيجية في الاتصال منظمة، وأخرى فاقدة لها. ما يعطي انطباعا أوليا، أن هناك أحزاب بارزة «اعلاميا» و»دعائيا» لدى الذهن العام على حساب أحزاب أخرى قد تكون مغمورة. هذه الضبابية في التعرف على الامتداد الشعبي للاحزاب، قد يدفع بعض قيادات الحركات على أن تغتر لوهلة بوزنها، في حين لا توجد أية مؤشرات علمية تثبت حقيقة قوته أو ضعفه ما جعل البعض منها يبحث عن القيام بأدوار قد لا تستقيم مع حقيقة مكانتها في الشارع السياسي التونسي. ذلك ما نستخلصه من مبادرة عدد من الأحزاب بالدعوة إلى تشكيل ما سمي ب»المجلس الوطني للأحزاب السياسية» بغاية المشاركة في قيادة البلاد خلال المرحلة القادمة. موجب التحفظ، رأسا، يتوقف على جانبين: أولهما أن مصدر هذه الدعوة أتى من أحزاب وُلدت بعد تحقيق الثورة التونسية، ولا يُعرف بالتالي حقيقة حجمها. وثانيهما أن من بين الأحزاب الداعية إلى هذه المبادرة من كانت تُصنف ضمن معارضة «الديكور» التي صنعها نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ووظّفها من أجل تزيين واجهته الخارجية (صراحة لا أفهم معاني الابقاء على تواجد تلك الأحزاب أصلا بعد الأدوار القذرة التي قامت بها في عهد الاستبداد). مجلس الأحزاب لم تتضح معالمه بعد، ولم يعرض بعد أصحاب هذه الفكرة طريقة تشكيل أعضائه. ولنفترض أن المشاركة فيه ستفتح في وجه جميع الأحزاب السياسية التونسية التي تتوالد بشكل يكاد يكون يوميا، لتكوّن هيئة تتركب من قرابة 94 ممثلا عن الأحزاب، لا فرق في هذه الهيئة بين حزب وآخر، ودون أخذ بعين الاعتبار بحقيقة حجم الحركات المشاركة، ولا يُعرف إن كان لديها حد أدنى من القابلية المجتمعية أم لا لينطلق هذا التجمع الحزبي في مهمة «إنجاز الديمقراطية في البلاد». عملية الانتقال الديمقراطي في تونس تعيش مخاضا عسيرا: هذه مسلّمة ولعل من بين أسباب ذلك، هو تضارب مصالح التيارات السياسية في البلاد، إضافة إلى التحركات المسترابة التي يقوم بها بعض أصحاب النفوذ الذين كان النظام السابق يحافظ على مكاسبهم الاقتصادية والمالية، واليوم هم في حيرة من أنفسهم حول هوية الحزب أو تحالف الأحزاب الذي لديه القدرة على عدم الإضرار بالامكانيات الحاصلة في ظل العهد السابق. لذلك، فإن احتكار الأحزاب السياسية، التي تُوجه إلى الكثير منها أصابع الاتهام في عدم قدرتها على انجاز مهمة الاطاحة بالدكتاتورية، القيام بدور تحقيق الديمقراطية في البلاد، فهذا لا يمكن أن يستقيم. ومن شأنه أن يؤجج جيوب الغضب ضد الأحزاب التي استطاع البعض منها، ملأ مدارج ملاعب كرة القدم، لكن لا يمكن الوثوق في حقيقة سطوتها على المجتمع مالم تقع الانتخابات. وبالتالي، فالمهم أن تستغل الحركات السياسية هذا الظرف لاستقطاب الأنصار وصقل البرامج وتأهيل الكوادر والاطارات، عوض التحكم في مصير التونسيين. * صحفي، مؤسس جمعية «الوعي السياسي» للتثقيف الشبابي