نشرت صحيفة القدس المقدسية بتاريخ 2011-07-02 تقريراً لمراسل صحيفة التايمز البريطانية جيمس هايدر بعنوان "ذي تايمز: في غزة فندق جديد كلفته 40 مليون دولار ودكان للمهربين وأمل جديد" يبدأ التقرير هذه البداية: المشتل فندق جديد يضم أربعة مطاعم و220 غرفة، وجناحاً ملكياً وحمام بخار وبركة سباحة يرى منها البحر. على الورق يمكن أن يكون كأي فندق فخم في العالم العربي. لكن انظر إلى الجنوب من على الشرفة وسترى ميدان تدريب الجناح العسكري ل"حماس" والأنقاض الخاوية لمقر الاستخبارات الفلسطينية الذي دمرته القنابل الإسرائيلية. والمشتل أقيم في غزة، والقصد من تجهيزه كفندق راق بكلفة 40 مليون دولار (25 مليون جنيه إسترليني) هو أن يكون رمزاً لولادة القطاع السياحي من جديد بعد حصار إسرائيلي مستمر منذ خمس سنوات. وبالرغم من تهديد إسرائيل بأنها ستعترض سبيل آخر مجموعة سفن مساعدات متجهة إلى غزة، فان حصارها خرِق، والدكاكين حافلة بالسلع، وثمة فورة بناء. والمزارع التي تديرها «حماس» في الجنوب، والتي طورت على الأراضي التي جلا عنها آلاف المستوطنين الإسرائيليين عندما أرغمتهم حكومتهم على الخروج قبل ست سنوات، تزود السكان الفقراء بالفواكه والخضار الطازجة. من يتأمل هذه البداية ويكمل قراءة التقرير تستوقفه ملاحظة جوهرية تثير التساؤلات، وهي أن هذا المراسل المخضرم في العمل الصحفي، تناسى أن يذكر عبارة أن هذا الفندق الفخم تم الانتهاء من بنائه قبل الانقسام وسيطرة حماس على غزة، أي قبل فرض الحصار المشدد على قطاع غزة. دون ذكر هذه العبارة الصغيرة يختلف مضمون الرسالة التي تصل للقارئ. فالتقرير بهذا الشكل أعطى انطباعاً أن الفندق تمت إقامته خلال العام الأخير، وتحديداً بعد مجزرة أسطول الحرية في عرض البحر المتوسط، وأن الحصار على قطاع غزة انتهى فعلياً لدرجة تمكن الغزيين من إقامة مثل هذه الفنادق الضخمة. إذاً ما هي الرسالة الحقيقة التي ابتغاها مراسل التايمز البريطانية من تقريره الموجه للقارئ البريطاني بشكل خاص والغربي بشكل عام؟ من حقنا أن نفهم أنه يريد القول بأن الضجة حول الحصار الإسرائيلي لغزة هي ضجة مفتعلة وأن إسرائيل لم تعد تحاصر غزة كما يدّعي الفلسطينيون، وبالتالي (وهذا هو المهم!) لا داعي لاستفزاز إسرائيل بقافلة الحرية 2 أو غيرها من القوافل البحرية. ويتأكد هذا التحليل بالنظر إلى توقيت نشر التقرير في التايمز البريطانية الذي صادف يوم السبت 2011-07-02 أي عشية إقلاع سفن الحرية 2 من شواطئ اليونان. كان ينبغي على الصحفي هايدر أن يكون أكثر موضوعية، وهو الذي يغطي لصحيفته أخطر الموضوعات المتعلقة بالدول العربية وخاصة في هذه الأوقات الحافلة بالثورات والانتفاضات، أي أنّ لديه الخبرة الكافية لإدراك ما معنى أن يتجاهل عبارة كالتي أشرنا إليها في تقريره عن غزة. وبالنسبة لفندق المشتل (اسمه كان يفترض أن يكون الموفنبيك) الذي يتحدث عنه هايدر، فهو محل فخر واعتزاز من قبل الغزيين، لكن يجب أن نذكر أنه مملوك بالكامل للقطاع الخاص (شركة بريكو). وحينما قرر مالكوه تشغيله مؤخراً كان ذلك من باب محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من رأس المال الضخم الذي تم استثماره في إنشاء هذا الفندق قبل الانقسام الفلسطيني. ومحاولتهم هذه تزامنت مع توقيع المصالحة في القاهرة وكأنهم استبشروا خيراً، بإمكانية عودة الروح إلى اقتصاد غزة. إلاّ أن هذه المحاولة لا تلغي حقيقة أن نجاح تشغيل مثل هذا الفندق يحتاج إلى توفر مناخ سياسي اقتصادي اجتماعي مختلف عن الذي تعيشه غزة في ظل هذا الحصار الإسرائيلي الذي لا يزال قائماً. الفلسطينيون في غزة وغيرها يحبون ويحترمون الصحفيين الأجانب ويسهلون عملهم. وعلى الصحفيين الأجانب في المقابل أن يكونوا موضوعيين وألاّ يقدموا هدايا مجانية للاحتلال الإسرائيلي عبر تقارير مفبركة أو من خلال التلاعب في محتواها لتكون مادة دسمة للبروباغاندا الإسرائيلية. ولم ننس بعد تصريح مكتب نتنياهو بتاريخ 26/5/2010 (أي قبل أربعة أيام من مجزرة أسطول الحرية) والذي جاء فيه «على المراسلين الأجانب الذين سيصلون لقطاع غزة أن يصوروا مطعم ومقهى الروتس ليعلم العالم بأنه لا يوجد حصار على قطاع غزة وانه لا يوجد جوع في القطاع». لا نريد أن يُفهم من كلامنا هذا أننا ضد من يكتب عن أي تطور عمراني أو سياحي أو اقتصادي في غزة بحجة الحصار الإسرائيلي أو لاستدرار عطف العالم، فبالعكس يجب أن تظهر الصورة عن غزة بكامل حقيقتها، سلبية كانت أم إيجابية، وسواء كانت مديحاً لجانب ما أو انتقاداً له، فهذا هو جوهر العمل الصحفي، ولكن الموضوعية والنزاهة مطلوبة في كل الأحوال. * كاتب صحفي من غزة فلسطين