بقلم: آسيا العتروس رغم أنه لم يحظ باهتمام يذكر في مختلف الاوساط الصحفية الوطنية فان التصريحات التي أدلى بها السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بتاريخ 15 جويلية الى صحيفة "ذي تايمز" the times قد أثارت ولا تزال تثير ردود فعل متباينة في مختلف الاوساط الاعلامية في الخارج بعد أن صرح زعيم حركة النهضة بأنه في حال الفوز بالسلطة فان الحركة لن تمنع بيع الكحول... كما أنها لن تمنع النساء من ارتداء لباس البحرأوالبيكيني على الشواطئ، وأوضح الغنوشي في تلك التصريحات بأنه زار مدينة الحمامات و التقى هناك بالعاملين في القطاع وأصحاب الفنادق وأعلمهم بان الاسلام ليس دينا منغلقا وأنه يريد للبلد أن يكون منفتحا على كل الدول وأنه بالتالي سيفعل ما بوسعه لانجاح الموسم السياحي وجذب السياح قدر المستطاع وانتهج الغنوشي التوجه ذاته في رده عن سؤال حول لباس البحر معتبرا انه لا يمكن أن نتفق مع الناس بالقوة و لكن باقناعهم وقال الغنوشي ان قوى السوق في تركيا تقود الى نماذج مختلفة وبالتالي الى أنواع مختلفة من النزلاء... وقد كان من الطبيعي جدا أن تثير مثل هذه التصريحات غضب الكثيرين لا سيما المتشددين ممن قد يكونوا اعتبروا أن فيها ليونة وتسامحا مبالغ فيه من جانب زعيم حركة النهضة وبما يمكن أن يتعارض أيضا مع الاسلام في حين أن أطرافا أخرى قد تكون رأت في تلك التصريحات جرأة تحسب لصاحبها وهي جرأة وان كانت تثيرعديد التساؤلات فان لها مبرراتها وأبعادها في مثل هذه المرحلة الانتخابية. طبعا من حق السيد راشد الغنوشي التعبيرعن ارائه ومواقفه بكل حرية فتلك أبسط حقوق الانسان المشروعة التي طالما وقع مصادرتها في تونس قبل أن تستعيدها الثورة ليس من دون تضحيات جسام وتجعل منها احد الثمار القليلة حتى الان التي يجنيها الشعب بعد انكسار قيود الخوف وسقوط الاستبداد و الظلم. وربما اعتبر الكثيرون للوهلة الاولى أن هناك سوء فهم أومغالطة أونقل غيرأمين لتصريحات راشد الغنوشي ولكن الحقيقة أنها كانت مطابقة للنص الاصلي حتى وان اختلفت الترجمة من موقع الى اخر.على أن الارجح أن ما جاء على لسان زعيم حركة النهضة من شأنه أن يؤكد جملة من الحقائق واولها ان السياسة لا تعترف بالجمود والركود في المواقف وأن لعبة المصالح تقتضي تغيير الخطاب السياسي تماشيا مع الواقع ولكن أيضا من أجل تحقيق المطلوب.والواقع أن الغنوشي استطاع بذلك توجيه رسالة مزدوجة أما الاولى فهي موجهة للخارج و فيها اعتراف معلن بالجميل لبريطانيا التي احتضنت الغنوشي وعائلته طوال العقدين الماضيين ومنحته اللجوء السياسي ووفرت له كل الاسباب التي ساعدته على تدوين كتبه وأفكاره و فيها أيضا محاولة لطمأنة الغرب واقناعه بان الاسلاميين ليسوا بالضرورة أعداء للديموقراطية وأن المثال التركي يظل قدوة زعيم النهضة مستقبلا حتى وان كان جدد مواقفه بأنه سينصرف الى العمل الاجتماعي والفكري وتوفير المجال للشباب الذي قاد الثورة لصناعة المستقبل. أما الرسالة الثانية وهي الاهم فالارجح أنها مرجهة الى الرأي العام المحلي رغم أن أغلب وسائل الاعلام لم تبدي ازائها اهتماما يذكر, وبقدرما يبدوأن تلك الرسالة حريصة على توخي خطاب لين ويسير يقري ولا ينفر في مواجهة فئة الشباب التي تشكل الشريحة الاوسع في التركيبة الاجتماعية وهوأيضا يعكس محاولة رشيقة ولا تخلو من حسابات كثيرة لاستمالة الصوت النسائي في الانتخابات القادمة. ولعل من أمكن له الاطلاع على كتاب عزام التميمي مدير معهد الفكر الاسلامي بلندن بعنوان"راشد الغنوشي ديموقراطي بين الاسلاميين" ghanouchi a democrat within islamits والذي ينقل سيرة الغنوشي وهو الابن الاصغر بين اخوته العشرة منذ طفولته المبكرة في بيت متواضع وعائلة متدينة وحلمه أن يصبح مدرسا قبل أن يغير وجهته أسوة بشقيقه يمكنه أن يدرك أبعاد هذا التطور في المواقف لدى السيد راشد الغنوشي على الاقل حتى هذه المرحلة، وربما تكشف الايام القليلة القادمة المزيد من التحولات في اراء ومواقف زعيم حركة النهضة لتؤكد مااذا كان الامر يتعلق باستباق الحملة الانتخابية المرتقبة استعدادا لانتخابات 23 أكتوبرأو بغير ذلك من الاسباب السياسية أوالايديولوجبة أوغيرها.