لمّا وقف عناصر فرقة مسرح الجنوب بقفصة بوجوههم الشّاحبة وأثوابهم الرثّة يهتفون - فيما يشبه المظاهرة - بهذا الشّعار ضمن احدى لوحات مسرحيّة "فيران الدّاموس" ذات موسم ثقافي من ثمانينات القرن المنقضي لم يكن الجمهور الحاضر بالمسرح البلدي بالعاصمة - وقتها - ولا حتّى ما يعرف بمكوّنات المجتمع المدني والأطراف الحقوقيّة والنّقابيّة والاجتماعيّة المدافعة عن الطّبقة العاملة - البعض يفضّل كلمة "الشغّيلة" - يعرفون الكثير - ربّما - عن واقع الاستغلال الفاحش الّذي يتعرّض له عمّال المناجم بالجنوب التّونسي ... وحده الفنّان المسرحي عبد القادر مقداد وبقيّة أبطال مسرحيّة "فيران الدّاموس" كانوا يدركون- وقتها - ما يقولون ... أمّا اليوم - وبعد مضيّ أكثر من عقدين - فانّ صرخة «متلوّي يا بلادي يا مدينة الفسفاط ... نحبّ الخبز الحامي والكسوة والصبّاط» فهي تبدو لمن يستحضرها بمثابة «نبوءة» تحقّقت ... نبوءة «بأحداث الحوض المنجمي» الاحتجاجيّة الّتي سبقت ثورة 14 جانفي 2011 بل ومهّدت لها ... وهي الثّورة الشّعبيّة الّتي أطاحت بنظام المجرم بن عليّ الفاسد والقمعيّ والاستبدادي ... والواقع أنّ كلّ انتاجات فرقة مسرح الجنوب بقفصة بادارة الفنّان المسرحيّ عبد القادر مقداد على امتداد سبعينات وثمانينات القرن المنقضي كانت تغرف فنيّا واجتماعيّا من «قضايا» الانسان «الجريدي» ومن واقع الحياة في الجنوب التّونسي: ولاية قفصة وأحراشها وحوضها المنجمي ( المتلوّي والرديّف وأمّ العرائس ) الأمر الّذي أعطى خصوصيّة «انثروبولوجيّة» نادرة - بالمعنى الثّقافي - لهذه الانتاجات المسرحيّة وجعل فرقة مسرح الجنوب بقفصة تجد اقبالا كبيرا من طرف الجمهور حيثما حلّت بأيّ جهة من جهات الجمهوريّة ... لا بل انّ الفنّان المسرحي عبد القادر مقداد نفسه أصبح يعرف لدى عموم التّونسيّين باسم «حمّة الجريدي» أكثر ممّا يعرف باسمه الأصلي... وما من شكّ أنّ اسم عبد القادر مقداد سيظلّ محفورا في ذاكرة التّونسيّين عامّة وجمهور الفنّ الرّابع خاصّة بصفته فنّانا مسرحيّا كبيرا أعطى للحركة المسرحيّة المعاصرة في تونس من جهده ووقته الشّيء الكثير واستطاع أن يضفي عليها من نبوغه وموهبته وحرفيّته ... لذلك سوف يصعب - اليوم - على أولئك الّذين يسعون للاساءة لهذا الفنّان المسرحيّ الكبير أن يزايدوا عليه - بأيّ شكل من الأشكال - ... فالرّجل قامة فنيّة شامخة - وسيبقى - وهو أحد المناضلين الكبار في المجال الثّقافي ... فنّان مبدع صاحب «بصمة» فنيّة متفرّدة ... وانسان جنوبي شهم صاحب مبادىء ومتخلّق ... انّ فنّانا من هذه «الطّينة» وبهذه الصّفات لا يمكن أبدا أن يقال له «ديقاج» ... وحتّى اذا ما قالها له أحد الصّبية «الثّورجيّين» فانّها سترتدّ على وجه قائلها ووجه من أوحى له بها...