صالح عطية أعلن أمس عن تأسيس "مجلس وطني مستقل للإعلام والاتصال" في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ضمن مبادرة لأحد قدماء الصحفيين في بلادنا، الزميل حسن المانسي. ويعد هذا المجلس الذي يضم في عضويته العديد من مكونات المجتمع المدني وإعلاميين ومحامين وقضاة وأساتذة جامعيين متخصصين في مجالات الإعلام والاتصال وعلم الاجتماع، أحد المطالب الأساسية للفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني خلال عقود ماضية. بل إن الرئيس المخلوع والكثير من الإعلاميين والشخصيات السياسية، عملوا على تعطيل إنشاء هذا المجلس الذي اقترحته أحزاب سياسية كثيرة في سياق مقترحات عديدة طرحت لإخراج الإعلام من الحصار والضيق الذي كان يعاني منه، سواء في عهد الزعيم الراحل، الحبيب بورقيبة أو زمن الطاغية المخلوع، ومن ثم، فإن الإعلان عن إنشاء مجلس وطني مستقل للإعلام والاتصال، يمثل رقما مهما في معادلات ما بعد الثورة. ومع رمزية المكان الذي أنشئ فيه المجلس، وهو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بما يشير إلى دور هذه المنظمة في الدفاع عن حرية الإعلام والإعلاميين خصوصا خلال سنوات الجمر التي مرت بها البلاد، فإن المشهد الإعلامي الذي يمر بحالة انفلات منذ ثورة 14 جانفي، يحتاج إلى هيكل مستقل وممثل من أهل المهنة، لتنظيمه ومراجعة قوانينه ومناخ عمله والظروف التي يتحرك فيها الإعلاميون داخل مؤسساتهم وخارجها. لكن اللافت في أجندة المجلس الجديد، رهانه على حرية التعبير والرأي، من خلال العمل على أن تكون نصا صلب الدستور المقبل للبلاد، وهو الأمر الذي يحتاجه إعلامنا في المرحلة الانتقالية الحالية، التي تواجه التفافا على الثورة واستحقاقاتها. ويخشى المرء من أن تتولى دوائر من داخل الحكومة ومن خارجها، الدفع باتجاه التضييق على الإعلام والإعلاميين، وعلى حرية التعبير ضمن سياسات التخويف التي تمارس من حين إلى آخر، بغاية إرباك الفاعلين في وسائل الإعلام، والإبقاء على المشهد في ضبابيته وغموضه وحالة "اللااستقرار"، التي تقتات منها لوبيات وقوى، لا يمكن أن تعيش إلا في مثل هذه الأوضاع الآسنة، وضمن ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا تخدم مصالحهم، ولا تتماشى مع أجنداتهم الحزبية أو السياسية، أو مع خط مصالحهم الذي يقف على طرفي نقيض مع الإعلام الحر، والخبر النزيه، والصحافة المسؤولة ذات المصداقية والاستقلالية اللازمة. المجلس مكسب لعله الأهم منذ الثورة في مشهدنا الإعلامي، لكنه سيواجه بالتأكيد قوى الردة التي تراهن على الإبقاء على صحافة مكبلة ومقيدة ولديها القابلية للتطويع، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه وقراءة ألف حساب له.