رغم تجاربه العديدة في المسرح والتي انطلقت منذ أكثر من عشر سنوات تقريبا قام فيها بادوار مختلفة ومتنوعة سواء منها التي اضطلع فيها بدور المخرج أو الكاتب والمشارك في وضع السيناريو أو التي كان فيها ضمن فريق يجسدها على الركح فإن سامي النصري مخرج أول عمل مسرحي جديد لمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف بعد ثورة 14جانفي يعتبر مسرحية «هلال ونجمة» عودة إلى فضاء تاريخي هام ومصيري في تاريخ تونس في فترة ما قبل الاستقلال. ويرى في عملية توظيفها في أعمال فنية عامة أو مسرحية خاصة بادرة هامة باعتبارها دعوة صريحة لفتح المجال للمستقبل من منطلق أن الماضي هو الراهن. وقد اقتبست هذه المسرحية عن ديوان شعر» أمس منذ ألف عام» للشاعر عادل معيزي واشترك في صياغة دراماتورجيا العمل كل من سامي النصري والممثل عبد الفتاح الكامل. وتتمحور المسرحية حول واقعة تاريخية جدت في ربيع 1952 في منطقة من الوسط التونسي رواها الشاعر في قصيدة، ويشارك فيها كل من سامية العياري وعبد السلام الجمل ومنجي الورفلي وعبد الفتاح الكامل ومحمد العوادي وغيرهم من الممثلين من أبناء المركز وغيرهم. وعن موضوع المسرحية حادثنا مخرجها فقال: «عامة ما يلاحظ في الأعمال المسرحية التونسية منذ السبعينات أنها لم تتناول أو تطرح مثل هذه القضايا التاريخية التي تحيل بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى الوطنية. لذلك اعتبر الموضوع أو الحكاية التي تعالجها مسرحية «هلال ونجمة» مهم بالنسبة لمنطقة الشمال الغربي لأن المركز حسب اعتقادي مطالب بالانفتاح على تجارب فنية كبيرة تستقطب كفاءات وتدخل في دائرة الفن الوطني وهو بالأساس ما نحاول أن نركز عليه خاصة أننا لاحظنا في السنوات الماضية أن المسرح أصبح خاليا من البحوث في حين كان أجدر بهذا القطاع الذي يعد من أهم الفنون أن يبادر بالبحث. فمن خلال طرح مسألة تاريخية هي عبارة عن تحليل ومواجهة لواقع مغلق وتكتنفه صعوبات.لأننا في العمل نؤمن كمجموعة بأن الوقائع الحقيقية التي عرفتها تونس في فترة تاريخية معينة ظلت خفية. ومن أجل التوصل إلى ذلك يجب أن نحدث رجة من خلال القيام بعمل حقيقي للتحسيس بالقيم الوطنية».
انفتاح في الكتابة والرؤية
واعترف سامي النصري أنه حرص في أول عمل مسرحي يتعامل فيه مع مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف على جملة من الخصوصيات والعوامل التي يعتبرها من قناعاته وتوجهه في بلورة رؤية مسرحية خاصة باعتبار أنه سبق أن أخرج عديد المسرحيات عندما كان متفرغا للمسرح على غرار «الذئاب» و»التنين» ومساعد مخرج في مسرحية «خمسون» مع فاضل الجعايبي وغيرها من الأعمال الأخرى وهو حاليا يدرس بالمعهد العالي للمسرح والموسيقى بالكاف. حيث يقول في ذات الإطار :» أعتمد على تطورات الآداء فيما يتعلق بفن الممثل التي تحددها منظومة غرونفسكي وذلك من خلال القيام باختبارات خاصة لأني أعتبر أنه بتطور آداء الممثل يمكن أن نقدم أعمالا متميزة لا سيما فيما يتعلق بالمسرح الذي ينهل من الواقع في الموضوع والأبعاد وهو ما أحرص على الدفاع عنه وبلورته في أعمالي. كما أني لا أرى ذلك ممكنا في المسرح السياسي في مستوى الخطاب وإنما في المسرح الذي يستطيع أن يجادل ويأخذ من الملحمية مع المحافظة على نوع الشعر والشاعرية». ولم يخف سامي النصري أنه كثيرا ما يجد نفسه مجبرا أو أمام خيار كتابة نصوصه المسرحية أو المشاركة في وضعها وفسر هذه النزعة بأنه يعتبر الكتابة الركحية شكل انفتاح في الفضاء والمعنى وليس شكل انغلاق وأنها على علاقة وطيدة بعملية الإخراج وذلك سواء في الكتابة أو التعامل مع ارتجال الممثل فوق الركح. واعتبر أن بعض المواقف تستفز الكتابة أو تدعوه لإعادة صياغة الحوار خاصة أن له طريقته ورؤيته في الطرح المسرحي. فيتعامل مع النص مثلما يتعامل مع الصورة. فيعمد أحيانا إلى المراوحة بين تعبيرتي الصورة والكلمة. وفيما يتعلق باعتماد المسرحية على ديوان شعر يقول مخرج العمل:» أعتقد أن في انفتاح المسرح على التعامل مع الكتابة الشعرية والروائية والسينمائية عملية تخدم الفرجة فلم نعد نتحدث عن مسرحية وإنما عن أثر يحيلنا في النهاية لقراءة لوحة أو مشهد فيه نوع من الثبات. لذلك اخترت في هذا العمل توظيف الموسيقى والغناء من خلال التراث الكافي وذلك حتى لا تبقى المسرحية متصلبة وإنما تُقرأ من جوانب شعرية وموسيقية وتراثية وهو ما نجحنا في تأكيده على الأقل من خلال مصافحتنا للجمهور في العروض الأولى للعمل.» فبعد سلسلة من العروض خلال الأسبوعين الأخيرين ستعرض هذه المسرحية بكل مهرجان الحمامات الدولي يوم 9 أوت الجاري وبالقيروان يوم 17 اوت، فضلا عن برمجتها بمهرجانات أخرى بكل من دقة وسليانة ومناطق أخرى من البلاد التونسية.