اول ما يمكن ان نلاحظه بعد متابعة عرض «ارتجال» الذي قدمه الفنان مقداد السهيلي في قصر العبدلية ليلة اول أمس هوعدم إدراك أغلب الحاضرين لمفهوم الارتجال الموسيقي..ذلك ان البعض طالب بالقديم من أغاني مقداد ك«غروضات» و«ادلل» في حين أن الارتجال هو إنجاز عفوي مباشر لفكرة فنية أرادها السهيلي رفقة كل من شكري البهلول(على آلة الكمنجة) وسليم الجزيري (على آلة القانون) هذه المرة أن تكون في جو صوفي مليء بالشجن والروحانيات.. تخلله مدح رسول الله الاكرم وايحاءات الى ما جاء في بعض القصص القرآنية.. وما لاحظناه دفعنا الى التوجه لمقداد بالاسئلة التالية:
ما سر اختيارك لعنوان «ارتجال»؟
«ارتجال» يعكس محتوى العرض، فهو كما لاحظتم ارتجالات في مقامات مختلفة كمقام حجاز ومقام ريحة الارواح (نوع من أنواع السيكا الشرقية) الموظف في قصيدة شرف الدين البوصيري»يا سيد السيدات» اضافة الى تقسيم راست يكاه في سرد الى بعض القصص القرآنية..عرض صوفي بالأساس يعكس أجواء شهر رمضان الشهر الذي أنزل فيه القرآن..
مدلول العرض كان واضحا من خلال العنوان»ارتجال» ولكن ألم تتوقع مطالبة الجمهور سماع البعض من أغانيك؟
كل العروض تكتسي برمجة خاصة وضوابط معينة لا يمكن تجاوزها..هذا العرض مثلا عرض صوفي ومن غير اللائق أن أغني «تدلل» أو «غروضات» لأن العرض يمثل طقوسا معينة وروحانيات مختلفة. أما الجمهور فإرضاء الجميع غاية لا تدرك «مايجيش انا ناكل في الملوخية وانت تقلي بربي ذوق هالياغرطة»..الفنان يجب أن يحترم عمله ويتقنه وان يتقيد بضوابطه وحدوده.
ولماذا اخترت عرضا صوفيا لا يتفق حوله الجمهور اذن؟
لا ننسى أننا في شهر رمضان المعظم الشهر الذي أنزل فيه القرآن..نسعى فيه إلى التقرب الى المولى عز وجل.. والهدف من هذا العرض هو توظيفي تلك الأفكار التي من شأنها أن تنمي الذائقة الدينية والصفاء الروحي..
ألا ترى أن العرض ينقصه الايقاع لإضفاء بعد آخر؟
ليس بالضرورة لأن العرض عبارة عن مواويل تسرد قصصا وعبرا قرآنية.. وأرى أن الفرقة قد أدت دورها على أحسن وجه ناهيك أنه الى جانب الكلام البليغ المرتجل كان أداء سليم الجزيري على آلة القانون وشكري البهلول على آلة الكمنجة متميزا في انتقالهما من مقام الى آخر وكأنك في «سفر موسيقي»..
بماذا تفسر غياب الجمهور؟
أمر عادي جدا ونحن نعيش فترة سياسية دقيقة ومرحلة تأسيسية هامة.. «صبرا جميلا» وتعود الأمور الى نصابها شرط أن نعمل بحزم ودون توقف..
الثورة «تهدرشت» والكل يمسك بجلبابها..أنا أعتقد أن الفنان هو الذي يجب أن يضيف لثورتنا بالعمل الجاد والمتواصل..فقد حان الوقت لتنمية الثقافة الفنية في تونس والرقي بها نحو الافضل..
ما رأيك في ظهور بعض الشباب في المهرجانات الكبرى هذه الصائفة؟
أمر مشجع للغاية.. بعد الثورة يجب أن نعطي الفرصة للجميع والأفضلية ستكون للأجدر دون شك.. المهم ان نسعى دائما الى الإبداع والرقي بعالمنا الموسيقي والثقافي بصفة عامة..