حياة السايب إن الخطاب الأخير للوزير الأول الذي توجه به يوم الإربعاء إلى الشعب التونسي يؤكد مجددا أن الثورة التونسية ما فتئت تضع يوما بعد يوم النخبة السياسية أمام امتحان عسير. فلئن تمكن صناع الثورة بسرعة ملفتة للانتباه من العثور على الشعارات والمصطلحات التي تعبربدقة عن مطالبهم وعن قضية عادلة فإن النخب السياسية تكاد تكون عاجزة عن صياغة خطاب يكون في مستوى انتظارات شعب قاد ثورته بنجاح. كان خطاب الوزير الأول بالحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي إلى الشعب التونسي على المستوى النظري خطاب رجل دولة يفقه في السياسة وهو أدرى بشعابها لكن لا يمكن لمثل هذه الخطب أن تكون مثمرة بالشكل الذي يتوق إليه التونسيون في ظرف كالظرف الذي تمر به بلادنا اليوم. كان يمكن لخطاب متزن وواع بحدود امكانيات الدولة في تونس أن يكون أكثر اقناعا لو أنه ألقي في ظرف تكون فيه البلاد قد استعادت استقرارها وأصبحت العقول مستعدة لتقبل خطاب حول مفهوم وهيبة الدولة إلخ أما وتونس تعيش مرحلة ما بعد الثورة فإنها في حاجة إلى خطاب مغاير تماما يكون اقرب ما يمكن من حماسة الشعب ومن روحه الثورية. ولعل هذا الأمر يقودنا إلى استنتاج وجود خلل على مستوى لغة الحوار والتواصل بين الوزير الأول والحكومة عموما من جهة وبين الشعب التونسي من جهة ثانية. ففي الوقت الذي يتوقع فيه الشعب التونسي أجوبة واضحة على مسائل محددة ودقيقة نجد الوزير الأول يصر على خطاب تحليلي وكأنه يتوجه به إلى نخبة تقف مليا أمام المفاهيم العلمية الدقيقة الخاصة بعالم السياسة. وقد قالها بنفسه خلال الخطاب الأخير أنه يعول على من له الحد الأدنى من المعرفة بالمفاهيم السياسية وخاصة منها مفهوم الدولة كي يفهم رسالته. توقعنا من الوزير الأول أن يأخذ بعين الإعتبار ربما بشكل أفضل حالة الترقب التي يعيش على وقعها التونسي منذ فترة خاصة بعد أن باتت التهديدات بالعودة إلى الشوارع والإعتصامات تزداد حدة وتوقعنا أن يبدو ذلك جليا في خطابه الأخير بتوجيه رسائل مطمئنة إلى الشعب التونسي الذي بات يساوره الشك حول المستقبل القريب والبعيد للبلاد. ولكن الوزير الأول مازال وفيا للمقاربة التي يعتقد أنها الأصوب في تواصله مع الشعب التونسي. مقاربة باتت تجد نقدا تزداد حدته مع الأيام. المشكل أننا مازلنا في تونس أشهر بعد الثورة نستعمل خطابا سياسيا كلاسيكيا لا ينسجم مع المرحلة فزمن الثورة غير بقية الأزمان.