"حالة طوارئ" إن صح التعبير عبر كامل مناطق البلاد تتزامن مع نهاية شهر الصوم والإعداد لموسم"الحلو" الذي يحرك سواكن كل القطاعات تقريبا من تسوق لمختلف المستلزمات وإقبال كبير على المخابز لطهي ما تفننت فيه أيادي نسوة لهن باع في صناعة المرطبات المنزلية بطريقة تختلف من جهة إلى أخرى... وجهة المهدية التي يشهد لها بعراقة إحضار "الحلو " تعيش على وقع هذه المناسبة منذ النصف الثاني لشهر رمضان المعظم، "الصباح" تجولت عبر بعض المناطق بالولاية فكان هذا التقرير. كمبدأ عام وما يقتضيه الواقع لإعداد هذه الأنواع وما يتوفر للعائلات التي تنتمي بالأساس إلى جهة فلاحية، يكون الاعتماد على الحبوب لاستخراج الدقيق الذي هو المادة الأولى لصناعة حلويات العيد.ففي رجيش والمهدية وضواحيها يقع التعويل على دقيق"الدرع "والقمح والفارينة برغم غلائه لصناعة "غريبة " من هذه الأنواع ، ولبعض العائلات استعمال السميد والفارينة المتوفرة للبقلاوة والمقروض مع حشو عادة ما يكون من اللوز المتوفر في الشابة والغضابنة وسيدي علوان وتخوم أرياف الجهة ليقع تعويضه بالتمر. وتفيدنا إحدى السيدات أن إعداد العجينة هو أصل جودة ونكهة "الحلو التقليدي" ناهيك عما يتطلبه الإعداد من مراحل لابد من مراعاتها لتكون المادة متماسكة علاوة على ما يمثله آخر مراحل الانجاز بالتعويل على خبرة العاملين في المخابز عند طهي"الحلو" وخاصة البقلاوة التي ترشح بعسلها بعد تسخينه مباشرة عند إخراج "الصينية" ورشحها به بطريقة فيها من الخبرة لتكون القطع جميعها قد أخذت نصيبها من العسل المسكوب عليها. يذكر أن بعض أهالي الضواحي الريفية يعدون حلوياتهم ويستعملون "الفرن العربي" مثل "الطابونة" لطهي أنواع مما يصنعون باعتبار انعدام مخابز في التجمعات السكنية التي يقطنون بها. وما لاحظناه أن عديد العائلات تستعمل ما توفر لديها مما تنتجه مزارعهم من لوز وحمص وقمح وزيت ليقع الالتجاء بقدر إلى بعض حبوب الزينة أو المواد الأخرى لتضفي على "الحلو" جمالا ليس إلا. ولأن تعاقب عديد الحضارات على مدينة المهدية جعل " الحلو" العثماني خاصة حاضرا في مثل هذه المواسم، ناهيك عن تواجد عائلات تشتغل في صناعة هذه المرطبات الرفيعة مثل " كعك الورقة" و"المعشعش" و"البقلاوة"و"البريك" الذي يعد من الميزات الأصلية للمهدية في كامل البلاد وخارجها، وهو المحشو باللوز الذي ارتفع ثمنه في عجينة تستعمل فيها الزبدة أو السمن العربي وبمختلف الأفاويه التي لا يعرفها إلا المختصون في صناعته حيث الإقبال على أشده هذه الأيام من مختلف المناطق لدى عائلات تحذق فنون إعداد هذا النوع من " الحلو" الذي وللأسف الشديد لم يقع العمل على ترسخيه كتراث غذائي من ميزات المهدية في حوض المتوسط وموروث حضاري له من المعاني الجليلة بترسخ عاصمة الفاطميين في التاريخ والأصالة.