في الوقت الذي شدت فيه أنظار المجتمع الدولي الى رياح التغيير التي اجتاحت العالم العربي وعصفت بأعتى الانظمة استبدادا وقلبت موازين قوى المنطقة؛ عمدت أسرائيل الى مد جسور التعاون الديبلوماسي الكاملة مع دولة جنوب السودان الحديثة بحضور وفد دبلوماسي بهدف تفعيل هذه العلاقات وتبادل السفراء وضخ أموال طائلة في شكل مساعدات في مجال التنمية والبنى التحتية كمساهمة منها في بناء اقتصاد البلاد الذي لم يخط خطوته الأولى بعد. فماهي الأهداف الكامنة وراء هذه الحفاوة الإسرائيلية بالدولة الحديثة؟ وتداعيات ذلك على الأمن القومي العربي؟ مخططات عقود وعقود من الزمن لم تذهب أدراج الرياح واتت أكلها، فالتدخل الإسرائيلي في السودان كان بشكل متدرج ، حيث دعت تل أبيب منذ البداية الحركة المتمردة بجنوب السودان ذات الأغلبية المسيحية الى تحدي حكومة الشمال والخروج من تحت لوائها، فبدأت تساعد الحركة المتمردة بالدعم العسكري، وصولا الى تدريبات عسكرية ومساعدات لوجستية ثم تغير الدعم ليصبح بعد ذلك تواجدا فعليا على أرض الواقع لتدريب الجيش الشعبي. ناهيك عن تغلغل رؤوس الأموال الإسرائيلية في قطاعات عدة منها الاستثمار والسياحة. والمعلوم أن من يسيطر اقتصاديا يصبح له تأثير كبير في صنع القرار السياسي. كما أن جل المخاوف تكمن في المساعي الإسرائيلية في تغيير معادلات النهر الأطول في القارة الإفريقية للحصول على النصيب الأكبر من مياه النيل وقطع الطريق أمام شمال السودان ومصر. فالتحركات الصهيونية في هذا المضمار كانت في الخفاء ضمن اتفاقية «عنتيبي» السرية التي تم عقدها مع دول افريقية تطل على النهرأغريت بالمال والمشاريع الاستثمارية. وبالتالي دفع جنوب السودان للالتحاق بدول «عنتيبي» لتشكيل مزيد من الضغط على المنطقة. عامل آخر دفع تل أبيب الى أن تحط برحالها في جوبا، هو الحد من ظاهرة تهريب السلاح من إيران الى قطاع غزة وبالتحديد الى حركة «حماس». إضافة الى أن جنوب السودان تؤمن لتل أبيب التواجد في مكان شديد القرب من البحر الأحمر بحجة الحفاظ على أمنها لكن في الحقيقة لتكون لها عين ساهرة على إيران وللحد من التمدد الإسلامي. فالسودان توصف ببوابة العرب على دول القارة السمراء، وتل أبيب تسعى الى تحويل دفة جنوب السودان صوب الدول الافريقية وإعطاء ظهره للدول العربية المصنفة في خانة أعداء الكيان الصهيوني. وهذه المساعي الاسرائيلية تعد أكبر تهديد للوحدة العربية وإختراقا للامن القومي العربي، وقد مضت تل أبيب قدما في هذا المخطط وسط دعم غربي على رأسهم الولاياتالمتحدةالامريكية وصمت عربي، دون الوعي بدرجة خطورتها. لكن الأخطر من ذلك بكثير الأطماع الاسرائيلية التي لن تقف عند هذا الحد بل ستمتد نحو إقليم دارفور لتأجيج أتون حرب أهلية ليقترح بعد ذلك مشروع للتسوية ، وصولا الى حق تقرير المصير.