احتضنت مدينة سرت الليبية مؤخرا فعاليات القمة العربية الافريقية الثانية. وبالرغم من أهمية هذا الحدث إلا أنه جاء متأخرا بأكثر من ثلاثين سنة عن موعد انعقاده. هي استفاقة عربية نبعت من الوعي بأهمية استعادة العلاقات مع دول الجوار وخاصة الجوار الافريقي، في زمن أصبحت القارة السمراء فيه قبلة العالم. كيف لا وهي سلة الغذاء والذهب واليورانيوم؟ إعداد: عبد الرؤوف بالي ومن هذه المنطلقات ارتأت «الشروق» أن تسلط الضوء على ماضي العلاقات العربية الافريقية والأسباب الكامنة وراء حاضرها الذي هو أبعد ما يكون عمّا تصوره عرب وآفارقة خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ربما لا يصدق المواطن العربي اليوم أن القضية الفلسطينية كانت في يوم من الأيام قضية العرب والأفارقة. كما لا يمكن لمن واكبوا حراك خمسينيات وستينيات القرن الماضي أن يصدقوا البعد الذي طرأ على العلاقات العربية الافريقية وكيف تحولت الدول التي وقفنا معها ضدّ الأنظمة العنصرية في افريقيا الى سلاح في يد الاحتلال الاسرائيلي أحيانا وشوكة في وجه التقارب العربي الافريقي أحيانا أخرى. بدأ العصر الذهبي للعلاقات الافريقية العربية مع مطلع الخمسينيات، حيث شهدت تلك الفترة درجة عالية من التنسيق والتكاتف بين الجانبين في الكثير من القضايا وكان على رأسها محاربة الاستعمار ودعم حركات التحرّر لدى الطرفين. والى جانب الدعم السياسي واللوجستي الذي قدمته الدول العربية لحركات التحرّر في القارة السمراء. كان هناك تنسيق بين الجانبين لدعم القضايا العربية والافريقية في الأممالمتحدة وحركة عدم الانحياز. وشهدت فترة السبعينيات مرحلة متقدمة في طبيعة العلاقات العربية الافريقية وخاصة خلال حرب أكتوبر 1973 حين عبرت الدول الافريقية المستقلة ومنظمة الوحدة الافريقية عن تضامنها مع الشعوب والدول العربية. وقامت حينها بقطع علاقاتها مع كيان الاحتلال الصهيوني. كما طالبت بعد الحرب بضرورة دعم حركات النضال العربية في مواجهة الكيان الغاصب. وربطت الدول الافريقية حينها بين حركة التحرّر الفلسطينية وحركات التحرّر الافريقية كما اعتبرت القضية الفلسطينية قضية عربية افريقية. وفي المقابل أدانت الدول العربية الأنظمة العنصرية في القارة السمراء وأصدرت جامعة العرب قرارا في عام 1975 أكدت فيه على تعاون الدول العربية والافريقية من أجل دحر الاستعمار الاستيطاني والميز العنصري. ومن جانبه أصدر المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الافريقية قرارا نص على إنشاء لجنة سباعية لاجراء اتصالات مع الدول العربية لدراسة آثار حظر النفط على الدول الافريقية وأوصى باقامة تعاون اقتصادي عربي افريقي. وبالفعل تشكلت اللجنة وعقدت أول اجتماع لها في أديس أبابا عام 1973 بينما اتخذت جامعة العرب جملة من القرارات في المجالين السياسي والاقتصادي لدعم التعاون الثنائي مع الأفارقة في قمة الجزائر عام 1973 أيضا. وتمخضت كل تلك التحركات التي تمّت في وقت قياسي إذا ما قيست بما نلاحظه اليوم عن إنشاء مؤسسات مالية لدعم التعاون بين الجانبين. منها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا وقادت جملة هذه التطورات الى انعقاد أول مؤتمر عربي افريقي وذلك في مارس 1977 في القاهرة. وصدر عن المؤتمر أربع وثائق تحدّد الأسس القانونية والسياسية للعلاقات بين الجانبين وتضمنت الاعلان السياسي الذي حدّد الأساس السياسي للتعاون العربي الافريقي والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وخاصة دعم قضايا التحرّر في الجانبين وتدعيم التعاون الاقتصادي وتحقيق المزيد من التقارب بين الشعوب العربية والافريقية اضافة الى برنامج عمل التعاون والذي تعهدت البلدان العربية والافريقية من خلاله بتنمية العلاقات بينها وإنشاء لجنة وزارية مشتركة دائمة لمتابعة التعاون بين الطرفين. كما أفرز المؤتمر إعلانا للتعاون الاقتصادي والمالي المشترك ويتضمن بنودا عدّة أبرزها تشجيع استثمار رؤوس الأموال العربية في الدول الافريقية وزيادة المساعدات المالية الثنائية ووضع طريقة العمل موضع التنفيذ. لعلّ كل هذه التحركات التي شهدتها تلك الفترة تجعلنا نقرؤها وكأنها مجرد أحلام إذا ما قورنت بواقعنا اليوم، حيث لا يمثل التعاون العربي الافريقي أكثر من 0.5٪ من تعاملات القارة السمراء مع العالم. في حين نجد أن الصين أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لافريقيا؟! منذ أيام فقط شهد العالم القمة العربية الافريقية الثانية بعد أكثر من ثلاثين سنة من تجميد العلاقات بين الجانبين. لكن الغريب في الأمر لم يكن التوقيت وإنما الكيفية التي التأمت بها، والنتائج التي أفرزتها ونذكر مثلا القمة التركية الافريقية الأولى عام 2008 وكيف كان حضور الاقتصاديين طاغيا على فعالياتها. حيث حضرها أكثر من ألف رجل أعمال ومسؤول افريقي من خمسين دولة افريقية الى جانب المئات من كبار رجال الأعمال في تركيا. أما في الهند، فقد تولت شركة «تاتا» لصناعة السيارات وضع برنامج خاص بالتعاون مع القارة الافريقية وانطلق التنفيذ بتقديم قروض الى كل من موريشتيوس وكينيا وأثيوبيا. كما قامت ولاية اندرا براديتش بارسال حوالي 500 مزارع هندي الى كينيا وأوغندا بعد ابرام اتفاق يسمح لهم باستغلال الأراضي في الزراعة كملاّكين لا كأجراء لمدة 99 عاما بسعر 3.75 دولارات للهكتار الواحد؟! ولعلّ العامل الاقتصادي لم يكن في كل الحالات هو الداعم الأول لانشاء علاقات مع الدول الافريقية ويظهر ذلك جليّا في المثالين الايراني والبرازيلي حيث كانت الارادة السياسية هي الأساس لكل ما يليها من اجراءات. فقد تولى كل من محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني تدشين العلاقات بين ايران وافريقيا ثم أكمل نجاد المهمة ونذكر زيارته الأخيرة الى غرب افريقيا. وفي المثال البرازيلي نجد أن الرئيس لوا داسيلفا زار افريقيا منذ بداية حكمه احدى عشرة مرة. واستطاع بفضل إرادته وجرأته وبجهوده الشخصية أن يصل بحجم التبادل التجاري بين البرازيل وافريقيا الى 25 مليار دولار لتصبح بلاده في المركز الثاني بعد الصين؟!! ربما إذا ما استعملنا الأرقام سنحتاج الى آلاف الأوراق لنبيّن أننا بعيدون جدا عما كانت تعد به فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في خصوص العلاقات العربية الافريقية. لكن لماذا كل هذا البعد؟ وما الذي جعل الدول الافريقية تنأى بنفسها عن العالم العربي؟ خبير في العلاقات الدولية ل«الشروق»: غياب الارادة السياسية أضاع الشراكة العربية الافريقية تونس «الشروق»: اعتبر الدكتور عبد المجيد العبدلي، الخبير في العلاقات الدولية أن العلاقات العربية الافريقية انتهت بعد اندثار العوامل التي كانت تدعمها والتي من أهمها التضامن العربي الافريقي لمواجهة الاستعمار والأنظمة العنصرية والدعم المتبادل لقضايا التحرّر في الجانبين اضافة الى الارادة السياسية التي كانت متوفرة لدى قادة المنطقتين. وأشار الدكتور العبدلي في حديث مع «الشروق» الى أن القمة العربية الافريقية الأخيرة عقدت لتنحية اللوم. وهو ما يبرّر عدم تناولها لعدد من القضايا التي تعاني منها الدول العربية والافريقية مثل قضية مياه النيل ومعضلة الصومال وغيرها من القضايا الشائكة، معتبرا أن القمة رغم التقارب الايجابي الذي حققته إلا أنه لن يتغير شيء في الواقع، موضحا أن البعد الافريقي أصبح أبعد مما كان في أي وقت مضى بعد أن قصر العرب في حق الدول الافريقية ولم يولوها العناية اللازمة منذ البداية، وفي ما يلي نص الحوار: كيف تقيّمون مسيرة العلاقات العربية الافريقية؟ هي علاقات تتنزل في اطار علاقات جنوب جنوب، وعدد الدول التي نتحدث عنها يساوي ثلث أعضاء منظمة الأممالمتحدة، وتشمل أكثر من مليار نسمة. كما أن هناك عاملا تاريخيا ساهم في بناء هذه العلاقات. فهذه الدول كانت تحت الاستعمار. وفي سبعينيات القرن الماضي ظهر ما يُسمى بالنظام الدولي الجديد وأصبحت الدول الافريقية والعربية تطالب بحقوقها كالتوزيع العادل في التجارة الدولية. خلال تلك الفترة وجدت هذه الدول أن التقارب مفروض عليها وهو ما أدى الى التقارب في ما بينها. ما الذي جعل العلاقات العربية الافريقية تتوقف عند مؤتمرها الأول في عام 1977؟ بعد سنة 1977 شهدت الخارطة العربية والافريقية عدة تغيرات دفعت نحو تجميد العلاقات. ففي عهد جمال عبد الناصر كان هناك نوع من المقايضة بين العرب والأفارقة، حيث طالبت الدول العربية نظيرتها الافريقية بعدم إقامة علاقات مع اسرائيل، مقابل عدم إقامة علاقات مع النظام العنصري من الجانب العربي. لكن بعد زيارة السادات الى القدس وإبرام اتفاقات السلام مع كيان الاحتلال الصهيوني أصبحت الدول الافريقية متردّدة في دعم القضية الفلسطينية. كما أن المقايضة انتهت بالانتصار على نظام الميز العنصري ولم يعد لها أي مبرّر. حتى على المستوى التجاري ظلت العلاقات ضعيفة ولم تتجاوز 0.5٪ إذن البلدان الافريقية والعربية لم تعد تتقاسم إلا درجة الفقر. إذن، كيف تقيّمون القمة التي انعقدت في ظل هذه الظروف؟ بعد نهاية الثنائية القطبية بانهيار الاتحاد السوفياتي الدولة اضمحلت في ظل نظام القطب الواحد. وهو ما يعني أن القمة العربية الافريقية انعقدت في الوقت الضائع، وهي نتاج توجهات القائد الليبي معمر القذافي الذي كان له توجه افريقي. ويمكن أن نشاهد أن القرارات التي تمخضت عنها القمة كانت هزيلة، وكأن الدول في حدّ ذاتها حضرتها لدرء اللوم لا غير ويمكن أن نلاحظ أن التركيز كان على قضية السودان وذلك لأن كل الدول معنية بها. كيف تفسرون انعدام الارادة الفعلية لتحقيق علاقات فاعلة بين العرب والأفارقة؟ في ظل العولمة، الدول الضعيفة أصبحت مهزومة نفسيا، وعندما تلتقي هذه الدول لا نجد إلا المناخ الانهزامي، هذا لا يعني أن التقارب الذي حصل ليس جيدا، لكن ليس هناك استغلال لذلك. فمثلا هل تم حلّ مشكلةمياه النيل؟ وهل هناك مساندة فعلية وعملية للقضية الفلسطينية؟ لو نرى اليوم كيف تدخلت اسرائيل أكثر في شؤون الدول الافريقية وفي الدول العربية وفي محيطها، سنتأكد بأن هذه الملتقيات دورها شكلي وقد انتهى عصرها. هناك عامل خارجي يتحكم في هذه الدول وفي العلاقات بينها وهي تكتلات دول الشمال (الغرب) وشركاتها. فلننظر مثلا الى اللقاءات التي تتم في اطار الاتحاد الأوروبي، هناك حدّ أدنى يتم الالتقاء على قاعدته. لذلك وجدنا أكثر من 30 سنة من التباعد بين العرب والأفارقة ولولا الدور الليبي لما تمّ الاجتماع الأخير. ثانيا يمكن أن نلاحظ أنه ليس هناك عمل مؤسساتي وبذلك ينتهي العمل بانتهاء القمة وحتى إذا ما وقع تقارب فهو لا يمس الجوهر. فمثلا عندما توجهت الصين أو البرازيل أو تركيا الى افريقيا وفرت البنية التحتية وأنفقت الأموال الطائلة هناك، لكن تلك البنية التحتية هي ذاتها التي استغلتها في مشاريعها هناك. ثالثا من المفترض أن الديبلوماسية تنظر الى المستقبل، لكن لا أحد في هذه المجموعة يؤمن أنها المستقبل وأن هذه الدول لها وزن. ما الذي يفسر تطور علاقات اسرائيل مع عدد كبير من الدول الافريقية وقدرتها على التحكم بمواقفها خاصة في المؤسسات التابعة للأمم المتحدة؟ حاليا علاقات الكثير من الدول الافريقية متطورة مع اسرائيل أكثر مما هي مع الدول العربية. فالعرب أنفقوا أموالهم في أوروبا وغيرها، لكنهم لم يتوجهوا ولو بجزء منها الى الدول الافريقية. نحن مقصرون في حق الدول الافريقية كان يمكن أن نساعدهم وهم يساعدوننا في المقابل لكن هذا الطرح مغيب تماما. فمثلا البترول العربي يأخذه الأفارقة عبر الدول الأوروبية. في حين كانت الدول الافريقية تأخذ النفط العربي بأسعار تفاضلية لكن انتهى العمل بتلك الاستراتيجية بعد سنتين أو ثلاث سنوات. هل يمكن أن تمهد القمة العربية الافريقية الأخيرة إلى شراكة فعلية يستعيد بها العرب ما تبقى من آمال السبعينات؟ الفرص مهيأة، فقط غياب الارادة السياسية يظل العائق أمام ذلك الحلم، حتى العامل الجغرافي والتاريخي والثقافي كما هو. لكن في العلاقات الدولية هناك أطراف لا تسمح بهذا التقارب ولا حتى التقارب العربي العربي أو الافريقي الافريقي. فالاستعمار عندما خرج هيأ البيئة الملائمة لتواصل الصراعات ولتبقى العلاقات شمال جنوب هي المسيطرة. حتى الصين التي تعتبر من دول الجنوب لم تكن لتتدخل في افريقيا وتصبح الشريك الاقتصادي الأول لو لم تفرض نفسها، حيث أصبحت ثاني أكبر قوة في العالم. ألا ترون أن كل التكتلات السياسية والاقتصادية تقريبا التي يكون العرب طرفا فيها يكون مصيرها الشلل إن لم يكن الموت؟ هذا صحيح، فنحن مهزومون نفسيا قبل القيام بأي عمل وهذا يؤثر على اشعاعنا في الخارج. فمثلا القرار الذي تخلى عنه العرب مؤخرا في مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو عيب كبير وأظهر أننا لا نستطيع جمع المواقف لصالح قضايانا. نحن دول لا تؤمن بقدراتها، ولذلك نجد أن العرب هم من أضاع القضية الفلسطينية والعراق والسودان والصومال. الجسم العليل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وهذا المرض معد لكن الجسم الافريقي بدأ يتعافى وأصبحت كلمته مسموعة. وهو إما سيزيد ابتعادا أو سيظل يجاملنا. العالم لا يؤمن إلا بالقوي ونحن لا ندرك ذلك، كلنا نذكر كيف توجهت الجيوش العربية لتقاتل ضدّ كيان الاحتلال. لكن لا أحد يفكر اليوم في تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك الموجودة أصلا. فهل يعني ذلك أن المجازر التي قامت بها اسرائيل لا تستدعي ذلك؟