"تربية جديدة لإنسان جديد" ذلك هو العنوان الذي اختاره الباحث في علم الاجتماع التربوي طارق بلحاج محمد للمرحلة الجديدة التي تقبل عليها المنظومة التربوية، نافيا أي علاقة لهذا العنوان بالشعارات الإصلاحية الرنانة ومخاضاتها المتعاقبة على المشهد التعليمي على اعتبار أن الإنسان الجديد لم تفرزه الدولة ولم يساهم النظام في نحت شخصيته. بل هو معطى جديد فرض نفسه بعد الثورة يقتضي التعامل معه بعيدا عن منطق الوصاية والفوقية كما كان الحال عبر مختلف العهود السابقة. ويرى الباحث في حديث-للصباح- أنّ الطاقة الجديدة التي يختزلها شباب اليوم كانت وليدة هدمه لمختلف الحتميات والثوابت التي نسجها النظام وحاول أسره داخلها عبر سياسة الإملاءات. من هذا المنطلق ومسايرة لمتطلبات وتطلعات الإنسان الجديد، اعتبر بلحاج محمد أنّ الإصلاح المنشود ينبغي أن يكون شاملا من حيث الشكل والمضمون دون أن يعني ذلك الانطلاق من الصفر بل بإعادة تشكيل المكونات الأساسية القائمة الذات صلب المنظومة وهي عمادها والمتمثلة في التلميذ وإطار التسيير والتدريس والمنشأة التربوية والتركيز على تغيير عقلية التسيير وتغيير العلاقة التي وصفها بالمشبوهة للمؤسسة التربوية على خلفية ممارسات التدجين والتسييس والتسلط التي كانت رائجة على مدى عقود أدت إلى انخرام رصيد الثقة من المؤسسة برمتها. مقترحات الخبير في الشأن التربوي استهدفت الجانب الشكلي عبر دعوته إعادة النظر في تسيير المؤسسة في منأى عن أساليب القمع والتدجين ومراجعة علاقة الإدارة بالتلميذ دون أن يبلغ ذلك حد التقويض الكلي لهكذا علاقة بل من خلال جعل الفضاء التعليمي والتربوي مضيافا وحاضنا للتلاميذ كشركاء في العملية التربوية وليس مجرد متلقين ومستهلكين للمعارف. وتعود مؤشرات فقدان الثقة ورفض العلاقة السائدة حسب المتحدث إلى ما قبل الثورة تحول بموجبه العنف المدرسي إلى ظاهرة قارة في النظام المدرسي. وبرزت المؤشرات بعدها في الشعارات المرفوعة من التلاميذ تجاه المربين وإطار التسيير. واقترح في سياق النهوض بسياسة التسيير إلى إحداث "مجلس إدارة" تعتمد السلطة فيها نموذجا تشاركيا في التسيير يجمع المربين والإداريين والأعوان وممثلين عن التلاميذ تنشط في إطار تشاوري. وقبل التعرض إلى الجانب المحوري الخاص بالمضمون التربوي أكد الباحث أهمية عنصر المرافقة التربوية للتلميذ عبر مكاتب الإصغاء والعمل الاجتماعي التي يتعين تحويلها إلى جهاز قار بعد تعميميه على مختلف المؤسسات لأن التربية لا تقتصر على التدريس والتسيير وإنما تعتمد المرافقة. وللأسف تعتبر هذه الحلقة مفقودة صلب المنظومة.
الدعاية السياسية
على مستوى المضمون التربوي تم التأكيد على ضرورة التخفيف من ثقل البرنامج الدراسي لأن الثابت أن الكم لا يعد مقياسا لجودة التعليم ومن هذا المنطلق تحول شكل البرنامج في المنظور السائد لمنهج التعليم المعتمد إلى ما يشبه المقدس الذي لا يجوز المس منه وبالتالي يتعين استكماله دون تصرف أو حذف أو زيادة. وتكمن أولوية الإصلاحات على مستوى البرامج في الحاجة الماسة لوضع حد للدعاية السياسية وللمضامين السياسية التي ساهمت في ضرب القيم الثقافية في البرنامج الدراسي، ما يستوجب تبعا لذات المتحدث جعل الثقافة السياسية معطى قارا في المنظومة حتى لا تتحول الطاقة الشبابية إلى طوفان مهدم. وختم المتدخل حديثه بالتساؤل عن مدى توفر إرادة حقيقية في التعامل مع نموذج الإنسان الجديد وبناء منظومة تربوية وطنية/مدنية تعيد الثقة لهذه المؤسسة؟ سؤال يفتح على عديد التخمينات والاستنتاجات نأمل أن تأخذها الأحزاب السياسية بعين الاعتبار في برامجها لأن ضمان مقعد دراسة لكل طفل بالمدارس التونسية وتوفير أسباب نجاح مساره الدراسي يفوق أهمية التنافس على مقعد ب"التأسيسي".