بقلم: آسيا العتروس على غير موعد و دون سابق معرفة التقيتهم وقد شاءت الصدفة وحدها أن يكون اللقاء في الطابق الثاني لمبنى وكالة التعاون الفني كانوا مجموعة من الشباب الذين يتطلعون الى ما الت اليه ملفاتهم المتعلقة بالبحث عن فرصة عمل بدول الخليج ,تجاذبنا أطراف الحديث حول مساعي الكثير من الشباب الذي بات حريصا على الهجرة أكثر من أي وقت مضى رغم كل أنواع الصعوبات الاجتماعية والنفسية التي قد يواجهها المهاجرون الجدد خاصة من الفتيات في البلدان التي يستعدون للانتقال اليها. ردت احداهن وهي القادمة من جزيرة الاحلام جربة أن السنوات الخمس التي قضتها في البطالة والانتظار والعيش على الاوهام تجعلها على استعداد للقبول بأي عرض للعمل حتى وان كان في اسرائيل... استفزني ردها رغم أنه لم يفاجئني فتونس الثورة اليوم تعيش على وقع المتناقضات وعلى وقع أكثر من تحدي اقتصادي وسياسي مصيري ولكن أيضا اجتماعي. والعبارات التي أطلقتها الفتاة في تلك اللحظة كانت في الواقع تعبيرعن صرخة مكتومة في نفوس العديد من الشباب وترجمة لوضع خطير يعيشه الكثير من هؤلاء في تونس وهو وضع أفرزته حالة الضياع بين الاحلام العريضة التي حملتها الثورة التي كان الشباب وقودها وبين الواقع الجديد في البلاد أمام مشهد سياسي يزداد تعقيدا وغموضا ووضع اقتصادي متردي زادته الاعتصامات والاضرابات وغياب الافاق شلل على شلل. والحقيقة أن صراحة تلك الفتاة السمراء وهي تنتظرلحظة الحصول على بطاقة سفرها للعمل للمرة الاولى منذ خمس سنوات وحدتها في ذات الوقت أعادت الى الذهن الكثيرمن الملفات الخطيرة المغيبة التي غالبا ما يدفع الشباب ثمنها في غياب الحلول المطلوبة لقضاياه المصيرية وأولها البطالة العدو الاول لتطلعات الشباب الذي يحلم بحياة جديدة بعد التخرج والتي قد تدفع بالكثير من هؤلاء لا سيما الذين يفتقرون للخبرة الى الوقوع في فخ الاستقطاب من الشرق والغرب بين محاولات التبشيرالتي باتت علنية وما يتعرض له الشباب من اغراءات للتنصرعلى أيدي منظمات مسيحية بغطاء انساني خيري تساعد التائهين من الشباب على الهجرة وتساعدهم على الاستقرار في أحد الدول الاوروبية بعد لأن يكونوا قد تحولوا من دين محمد الى دين المسيح وغيروا أسمائهم الى جون والكسندروغيرذلك أومنظمات وجمعيات أخرى عربية واسلامية تعمد الى استيلاب عقول هؤلاء ودفعهم الى التطرف والانسلاخ عما كانوا نشأوا عليه من توازن اجتماعي لتدفع بهم الى التزمت في أسوأ مظاهره. ليست هذه نهاية قائمة المخاطر التي قد تعترض شبابنا ولعل في الفواجع الكثيرة التي ارتبطت بالحارقين هربا من نيران الحياة الى نيران سفن الموت وما ألت اليه من ماسي متكررة ومن ضياع للارواح والاموال ولوعة في قلوب الامهات... هل ستحرك عبارات هذه الفتاة سواكن المسؤولين في الحكومة المؤقتة ومعهم رجال الاعمال والمستثمرين وأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة حتى لا يأتي يوم تصبح فيه اسرائيل نهاية الحلم لشبابنا اليائس ويتجندون لاعادة التفكير فيما يمكن أن يوفر للالاف من الشباب لا سيما أصحاب الشهادات العليا فرصة عمل تجنبهم الغرق في اليأس والاحباط وتعيد الى نفوسهم نصيب من الامل الضائع. لا أدري ان كان من حسن حظ الثورة أو من سوء الحظ أن يتزامن سقوط عهد الظلم والاستبداد في بلادنا مع تخبط اغلب دول العالم بما في ذلك مجموعة الثمانية في صعوبات اقتصادية لا يستهان بها بما يجعلها غير قادرة على تلبية الوعود والمساعدات التي كانت التزمت بها لدول تعيش ربيعها العربي في هذه المرحلة وهو ما يضعنا أمام خيار واحد لابديل عنه وهو خيارالتعويل على الذات واعلان حالة الاستنفارفي كل القطاعات الاقتصادية لاعادة تحريك ما توقف واعادة بناء ما تهدم وتوفير المزيد من الفرص أمام الشباب العاطل تماما كما فعل الشعب الالماني ومثله الشعب الياباني الذي لم تسلبه كل الحروب والصراعات وكل الكوارث الطبيعية رغبته في الحياة وتعلقه بالامل. ابحثوا عن الشباب, ابحثوا عن الشباب كلمات نسوقها الى من نصبوا أنفسهم حراسا أو أوصياء على أهداف الثورة ,ابحثوا عن الشباب دعوة نطلقها لاصحاب الاموال وأصحاب المشاريع فهؤلاء سلاح تونس وثروتها ومفتاح الانتخابات المرتقبة وحصنها المنيع في وجه كل أنواع التطرف بمختلف ألوانه وأطيافه سواء كان تحت غطاء المبشرين أوغطاء المنذرين...