بقلم: عادل البصيلي كثر الجدل خلال الفترة الأخيرة حول انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وأفرز مقترحات حلول اختلف تأصيلها المعلن والخفي وأهم هذه المقترحات، تنظيم استفتاء لتحديد صلوحيات هذا المجلس وفترة عمله. فمن الناحية النظرية، يمكن القول بمشروعية التأصيل المستند إلى ضرورة تلافي اتحاد السلط في هيكل وحيد للحيلولة والانفراد بالسلطة ونعلم جميعا أن من أهم المبادئ الدستورية المكرسة لتوازن السلط (نظريا) هو مبدأ تفريق السلط فأن ينفرد المجلس الوطني التأسيسي بالسلطتين التشريعية والتنفيذية معا من شأنه أن يمثل انفرادا بالسلطة يخشى منه نفى الممارسة الديمقراطية. ولكن هذا الطرح النظري، بمؤيداته القوية والمدعّمة، لا يستقيم حين نستحضر عديد المعطيات القانونية والعملية التي تحول والاستخلاص إلى الخطر المشار إليه سابقا. من الضروري أن نستحضر أن المجلس الوطني التأسيسي سيباشر عمله في شبه فراغ قانوني باعتبار أن إيقاف العمل بالدستور أفضى تلقائيا إلى إيقاف العمل بنظامه الداخلي وجميع القواعد الدستورية المتعلقة بسير عمله. والأهم من هذا، أن القواعد الدستورية الانتقالية الحالية، بقلة عددها، لا تسهم في ملء هذا الفراغ بل، والأخطر، تزيده تعقيدا. فالعديد يعتقد بأن المجلس سيجتمع مباشرة بعد سويعات من يوم 23 أكتوبر وسيتولى إدارة البلاد من حينها وإلى تاريخ وضع دستور جديد وهو اعتقاد خاطئ بل ومستحيل التنفيذ. ومرد هذه الاستحالة، الفراغ القانوني الدستوري الذي سيفرض على المجلس الوطني التأسيسي معالجته أولا حتى يمكنه في أفضل الحالات، وضع الدستور وهذا باستحضار المدة الزمنية التي قيدته بها أحكام الأمر عدد 1086 لسنة 2011 مؤرخ في 3 أوت 2011 المتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. فالمعطى الأساسي الذي يجب على الجميع استحضاره هو أن الفصل 6 من الأمر المشار اليه يدعو المجلس الوطني التأسيسي إلى الاجتماع بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه (وليس من تاريخ مباشرته مهامه مثلما نص على ذلك الفصل الأول من المرسوم عدد 14 لسنة 2011 مؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية). فمن البداية، نلاحظ الخلل في تناسق النصوص القانونية المنظمة والحال أنها صادرة من نفس الهيكل: رئاسة الجمهورية المؤقتة! وهو ليس الخلل الوحيد والأهم، فالتالي سيكون أشد تعقيدا بالنسبة لعمل المجلس التأسيسيي.
متى يباشر المجلس الوطني التأسيسي مهامه وكيف؟
حسب الفصل 6 من الأمر عدد 1086 لسنة 2011، يجتمع المجلس الوطني التأسيسي بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع. ويتم هذا التصريح حسب مقتضيات الفصل 73 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011، أي بعد أن تتولى الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات البتّ «في جميع الطعون المتعلقة بالنتائج أو بعد انقضاء أجل الطعن إذا لم تقدّم أي طعون، بالنتائج النهائية للانتخابات، وذلك بقرار ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويدرج بالموقع الإلكتروني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.». وهذا معناه أنه لايمكن للمجلس أن يجتمع قبل نشر القرار المشار إليه صلب الرائد الرسمي! وباعتبار أحكام الفصل 72 من نفس المرسوم عدد 35، فإن مدة البت في الطعون لا يمكن أن تقل عن 12 يوما يضاف اليها مدة النشر بما قد يِؤدي إلى مدة تصل الأسبوعين. ولكن كيف سيجتمع المجلس؟ ومن سيدعو إلى هذا الاجتماع؟ لا يوجد نص قانوني يبين هذه العملية الهامة إذ كان يفترض أن يتم تحديد الجهة الداعية إلى ذلك صلب المراسيم أو الأوامر ذات العلاقة والمسألة ليست هينة بالشكل الذي يمكن تصوره لأنه حتى ولو افترضنا جدلا أن يتولى الكاتب العام لمجلس النواب المنحل القيام بهذه العملية فإنه سيواجه فراغا قانونيا ثانيا, سيدعو من وعلى أي أساس؟ كان من المفترض أن يبين المرسوم عدد 35 بأن يتولى رئيس الهيئة المكلفة بالتصريح بإحالة قائمة المنتخبين إلى إدارة المجلس ليتم دعوتها للاجتماع واعتماد نفس القائمة خلال الجلسة الافتتاحية مع الإشارة أن دعوة المجلس إلى الانعقاد لا يمكن أن تتم قبل القيام باستيفاء تحضيرات مادية عديدة صلب مقر المجلس لتأمين انعقادها على الوجه المرضي. ثم تأتي عديد الإشكاليات الأخرى لتطرح على البساط وتستوجب معالجتها ومن بينها إشكاليات انعقاد الجلسة الافتتاحية: من سيرأسها؟ كيف سيتم توزيع النواب على مقاعد الجلسة العامة؟ من الأكيد أنه سيتم الاستئناس بالعرف البرلماني لمحاولة حل هذه الإشكاليات ولكن ذلك سيتطلب تنسيقا بين مختلف الأحزاب والأطراف بما سيؤدي بالضرورة إلى جدل أفرزه هذا الفراغ القانوني. وللإشارة، فانه ينتظر أن يتولى المجلس في بداية أشغاله وضع إطار قانوني لسير عمله بانتخاب لجان تتولى وضع نظامه الداخلي وأخرى لصياغة الدستور وعدد آخر من اللجان التي سيستوجبها نشاطه البرلماني وهي جميعها مسائل دقيقة تتطلب الكثير من الوقت والتنسيق بين الجميع بما يعني أن المجلس سينشغل كثيرا بتنظيم نفسه قبل الاهتمام بممارسة السلطة. هل يمكن للمجلس الوطني التأسيسي ممارسة جميع السلط؟ حتى يمارس هذا المجلس جميع السلط فعليه أولا وقبل كل شيء وضع إطار قانوني لذلك وهو ما يفترض وجوبا المرور عبر استبدال المرسوم عدد 14 لسنة 2011 بنص مغاير. فالفصل 18 من هذا المرسوم ينص على أنه ينتهي العمل بأحكامه عند مباشرة المجلس الوطني التأسيسي مهامه وضبطه تنظيما آخر للسلط العمومية. ولكن كيف سيكون شكل هذا التنظيم وفي أي إطار؟ مرسوم أو قانون؟ قد يكون من الحلول الممكنة أن يتولى المجلس تحديد الصيغة القانونية الجديدة للنصوص التي سيتم اعتمادها كوضع قرار يجعل من قراراته نصوصا ترتقي إلى مرتبة القانون لتكون أقوى حجية من المراسيم بما يمكّن من إلغائها واستبدالها وفي غياب ذلك سيواجه المجلس إشكاليات قانونية متعددة يسهم الجدل بشأنها في مزيد تمديد مدة عجزه عن تسيير دواليب الدولة وتعقيد الإشكاليات المطروحة. وإذا أضفنا أن فترة المخاض والجدل ستتزامن وإمكانية طرح إشكال النظر في مشروع ميزانية الدولة والبت في مصير المؤسسات الدستورية المنحلة فانه يمكن القول بأن تولي المجلس مهام تسيير دواليب الدولة يصبح أمرا شبه مستحيل باعتبار العراقيل القانونية والمادية التي سيواجهها خلال فترة زمنية قصيرة مدعو فيها إلى انجاز مهمته الرئيسية: صياغة دستور جديد للبلاد.