٭ بقلم: الأستاذ محمد الأزهر العكرمي بعد أن تمت حلحلة الأزمة السياسية التي كانت تهدد مستقبل الثورة، والدولة معا، بخطابي كل من الرئيس المؤقت، والوزير الأول الجديد، وقد تضمنا حزمة من المبادئ والإجراءات، أهمها الإعلان عن مجلس تأسيسي، وقانون انتخابي جديد لهذا المجلس، ووقف العمل بالدستور القديم، وتحديد موعد للإنتخابات القادمة، أصبح من الضروري التفكير في إطارالجدوى، والنجاعة، بدل استمرار الجدل والخوض في مبادئ ما بعد الثورة.. فما أعلن عنه يمكن اعتباره منطلقا لمرحلة سياسية، نوعية جديدة، في حاجة لتفعيل مضامينها من خلال المقترحات، وتخصيب الأفكار، وعليه فلا بد من التطرق لموعد الإنتخابات الذي أعلن عنه وحدد ليوم 24/07/2011 للقول بأن هذا الآجل المضروب لإنتخابات المجلس الوطني التأسيسي لا يكفي، لأي نوع من أنواع الإنتخابات العامة، في بلد افتقد الإنتخابات منذ أكثر من نصف قرن، وغابت عنه تبعا لذلك الثقافة الإنتخابية، ثم أن الأحزاب ومجمل القوى السياسية مازالت إلى حد هذا التاريخ، تناقش ما حدث قبل وبعد 14 جانفي 2011، ولم تنخرط بعد في الإستعداد لهذا الإستحقاق السياسي، بما يجعلها غير مؤهلة لخوض هذه الإنتخابات المصيرية، التي تكتسي أهمية تفوق تلك التي تجرى لانتخاب رئيس للجمهورية أو مجلس نواب... فانتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد، هو اللبنة الأولى، والأرضية الدائمة للنظام الديمقراطي المستقبلي، وهو بهذا المعنى لا يحتمل الارتجال، والعجلة، فالهدف ليس اجراء الإنتخابات بحد ذاتها، بل صناعة دستور جديد يضمن الحريات العامة والفردية، ويثبت فصل السلطات، ويقيم مجمل المؤسسات على أساس ديمقراطي. ونحن إذا نظرنا إلى ما تبقى من المدة، نجد أنفسنا أمام مأزق سياسي، وانتخابي.. لاسيما وأن رئيس اللجنة الفنية المكلفة بإعداد القانون الانتخابي الدكتور فرحات الحرشاني يؤكد أن الحدّ الأدنى لإمكانية إجراء انتخابات هو (22) أسبوعا. ثم ان المتعارف عليه، أن المدة اللازمة لإجراء أي انتخابات في الظروف العادية يجب أن لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن سنة من تاريخ صدور القانون الانتخابي، وكل ذلك لضمان النجاعة والفائدة من أي انتخابات. وإذا ما نظرنا إلى التاريخ الذي ستنتهي فيه اللجنة من أعمالها لصياغة قانون الإنتخابات، والذي لن يقل عن نهاية شهر مارس 2011 مضافا إليه الوقت الذي سيستغرقه نقاش المجموعات السياسية، والذي قد يمتد إلى وقت غير معلوم فإننا سنجد الوقت الباقي لمهلة 24 جويلية 2011، لا يتجاوز تسعين يوما، وهي مدة لا تكفي حتى لتحضير انتخابات مهنية قطاعية، تضمن الحد الأدنى من النزاهة، والشفافية، أو قل التطابق مع المعايير الدولية للإنتخابات. من هنا إذن يتجه التفكير جديا، في إيجاد موعد جديد لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي تتوفر فيه الضمانات، ويؤمن مشاركة واسعة على أن يكون ليوم الأحد 25 سبتمبر 2011. تخصيص قناة 21 للثقافة الإنتخابية في إطار تفعيل كل المؤسسات لتحضير انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ولضمان مناخ انتخابي سليم، ولما كانت الثقافة الإنتخابية شبه معدومة، فالإعلام بحاجة إلى تأهيل انتخابي، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، هي الأخرى عليها الاهتمام منذ الآن برفع الكفاءة الإنتخابية بين قياداتها، ومنخرطيها، وهو أمر يدعو إلى البحث عن الآليات والوسائل الأكثر نجاعة، للإنخراط في حملة لمحو الأمية الإنتخابية من جهة، وتركيز الأسس اللازمة للثقافة الإنتخابية، ليس فقط للإستحقاق المتعلق بالمجلس التأسيسي، وإنما لما سيليه من مواعيد لاحقة لإنتخابات رئاسية، وتشريعية، وبلدية. بل وحتى داخل القطاعات المهنية.. من هنا سيكون تخصيص القناة التلفزية 21 لهذا الغرض، ذا أهمية فائقة، ومردودية عالية في هذا الشأن، ويمكن الإستفادة من تجربة القناة البرلمانية الفرنسية LCP (ال- سي-بي) أو تجربة قناة (الجزيرة مباشر) على أن تخصص هذه القناة لبث الندوات، والورشات، والمداخلات التي تعنى بالثقافة الإنتخابية، وتجيب عن أسئلة المواطنين بهذا الخصوص، ويمكن للمجتمع المدني دون الأحزاب أن يقوم بهذا الدور، حتى لا تتحول البرامج إلى موضوع للدعاية الحزبية. منع أئمة المساجد من الترشح من خلال رصد حركة الأحزاب السياسية، يمكن القول الآن إن الدعاية الإنتخابية قد انطلقت منذ 14 جانفي، بعيدا عن أي إطار قانوني، وان هذه الدعاية ستبقى منفلتة من عقالها، حتى فيما بعد صدور القانون الذي سيضع ضوابط للحملات الإنتخابية. من هنا وجب التفكير في منع هذه الدعاية، غير القانونية، وغير الأخلاقية من تحقيق غاياتها، وذلك بوضع ضوابط للترشحات، فعلى غرار عدم ترشح أعضاء السلطة الإنتقالية بما في ذلك الحكومة، وعدم ترشح القضاة، وقوات الأمن الداخلي والجيش، يمكن اضافة أئمة المساجد الذين استولوا على المنابر بعد 14 جانفي من ذوي الانتماءات السياسية الواضحة، وكل ذلك في إطار الضمانات المحققة للعدالة الإنتخابية. ويقاس على هؤلاء أعضاء المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية للإتحاد العام التونسي للشغل، الذين انتخبوا لإدارة الشأن النقابي، وهم بمقتضي ذلك يتوفرون على إمكانات مادية ومعنوية، ولوجستية هامة لا يجوز توظيفها في غير ما أعدت له، من خدمة اجتماعية لمنخرطي النقابة، وليس للعمل السياسي الذي يعطي مردودا فرديا للمترشح، أو انتماءه السياسي الفردي أكثر من كونه مردودا جماعيا للنقابة.. على أنه ومن باب أن الحق في الترشح هو القاعدة، والمنع منه هو الاستثناء تصبح الإستقالة قبل صدور القانون المنظم للإنتخابات، أو بدء الحملة الإنتخابية بصفة قانونية مجيزا للترشح وخوض الإنتخابات. في توليف النظام الإنتخابي بالنظر إلى أن النظام الإنتخابي القائم على القائمات الأغلبية يهدد بفوز اللون الواحد، وان كان حاصلا على اقل من نصف الأصوات، فضلا عن كونه سيضيع نسبة هائلة من الأصوات قد تصل إلى 60% وبما يجعل القائمات الساقطة، عبارة عن أغلبية حقيقية غير ممثلة، ويؤدي بالتالي إلى غياب العدالة الإنتخابية، ولما كان نظام الدوائر الفردية، نظاما تشتيتيا، يهدد أولا بعودة النفوذ السابق، من خلال الشخصيات التي كانت تحتكر الظهور الإعلامي، وهي إلى الآن تحتكر الوفرة المالية، التي ستتحول إلى مال سياسي لشراء الأصوات، وثانيا إلى ضرب الجهاز المناعي للحياة السياسية الديمقراطية التي تفترض وجود الأحزاب، فإن البحث عن صيغة ثالثة يصبح من أوكد المطالب لضمان تحقق نسبة مشاركة اعلى من جهة، ولعدالة انتخابية أعمق من جهة ثانية، كأن يكون هذا النظام المختلط قائما على 60% للأغلبية و40% للنسبي مما يجعل الأحزاب تحصل على التمثيل، مع ضمان تمثيل الكفاءات والشخصيات الوطنية، مع الدفع في اتجاه اعتماد نظام يقوم على القوائم و النسبية في آن واحد. مع تخصيص الباقي من الأصوات الضائعة في النظام الأغلبي على من حصلوا على أكثر من 4% من الأحزاب في إطار الإحتساب الوطني الذي يتم في اطار دائرة واحدة لعموم البلاد. لتجديد المجالس البلدية يفترض التنظيم الإنتقالي للسلطة، سلطا مؤقتة في كل مفاصل الدولة لتصريف الأعمال، وبهذا المعنى فإن الحكومة لن تكون وحدها المشمولة بهذه الصفة، بل إن المجالس الجهوية، والمجالس البلدية، يجب أن يتم تجديدها لمدة السنة أو السنتين التي سيستغرقها إعداد القوانين وإجراء انتخابات تجديد هذه الهياكل، ومادمنا على أبواب انتخابات المجلس التأسيسي فإن تواجد الأحزاب السياسية في المجالس البلدية سيؤثر على الحملات الإنتخابية، لأن هذا التواجد بما يوفره من قرب المواطنين، ومن إمكانيات مادية ومعنوية متاحة، سيؤثر على سير الإنتخابات وسيكون قابلا للتوظيف، وعليه فإن استبعاد الأحزاب السياسية، ومعها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي برز في قيادة جبهة حزبية وسياسية طيلة مدة ما بعد 14 جانفي مهما جدا للتوجه الديمقراطي الذي تسير فيه بلادنا. الإستفتاء على الدستور بابا، بابا في البنود الخلافية يثير عمل المجلس التأسيسي، ومدى ما سيحصل داخله من منسوب الوفاق حول المبادئ الدستورية العديد من المخاوف، سواء في ما يتعلق بشكل النظام السياسي أو في ما يتعلق، بفصل الدين عن الدولة، وهو أمر ستكون له انعكاسات سلبية على الوقت. ففي حال لم يتم الحصول على أغلبية الثلثين لإقرار أي بند دستوري سنكون أمام مأزق صعب الحسم، مما يتجه معه إقرار مبدإ الإستفتاء، لمزيد إضفاء الشرعية أولا، وللخروج من الخلافات الجوهرية التي تؤدي إلى تعطيل أعمال المجلس، لابد من اعتماد آلية واضحة، تقوم على التصويت بأغلبية الثلثين أولا، وفي حال حصول هذا النصاب، وتجاوز لنسبة الوفاق الخمسة وسبعين بالمائة لا نكون في حاجة إلى الإستفتاء، وفيما تبقى تعرض المواضيع الخلافية بابا، بابا على الإستفتاء، لإقرارها عندما يتعذر حصول الأغلبية اللازمة داخل المجلس.