تطور بارز في مجال التشريع الاقتصادي لكن تشتت النصوص وتعدد المجلات قد يصعب معه الإلمام بها تونس الصباح: تحت اشراف وزارة العدل وحقوق الانسان، نظم مركز الدراسات القانونية والقضائية بالوزارة بالاشتراك مع المعهد الاعلى للتصرف بتونس والجمعية التونسية للقانون البحري والمعهد العالي للنقل وخدمات النقل بسوسة ملتقى دوليا حول تقنين قانون الاعمال. وقد شارك في هذا الملتقى الذي يمتد على يومين قضاة وجامعيون، وخبراء من تونس وفرنسا. وقد تولى السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان افتتاح هذا الملتقى. فماذا عن مفاهيم التقنين الخاص بقوانين الاعمال، والتطورات الحاصلة فيه، وماذا عن المقاربة التونسية في هذا المجال والتطورات الحاصلة فيه؟ مناخ الاعمال وتقنين القانون الخاص به أشار السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان في الكلمة التي افتتح بها هذا الملتقى الى ان هذا القانون يحظى باهتمام بالغ في تونس، وله مكانة كبيرة صلب الدولة، وبين ان من ثمار هذه المكانة تصنيف تونس ضمن التقرير العالمي الاخير حول التنافسية لمنتدى دافوس في المرتبة الاولى مغاربيا وافريقيا، وكذلك الثالثة عربيا و32 عالميا في مجالات مناخ الاعمال. وبين الوزير ان تونس قد حرصت على مدى العشريتين الاخيرتين على تمكين الصناعة التونسية من كل المقومات التي تجعلها قادرة على كسب المنافسة على اكثر من صعيد، وذلك في ظرف تسعى فيه البلاد الى التحرير الكامل للاقتصاد، والانفتاح الكلي في اطار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي بداية من مستهل السنة القادمة. وقد ساعد الاطار التشريعي والنهوض بمناخ الاعمال، واعتماد جملة من التشجيعات والحوافز لدفع الاستثماروالتشغيل على جعل تونس محط انظار كبار المستثمرين العالميين، وقد كان من بين الاليات التي تم اعتمادها لبلوغ الاهداف المرسومة اصلاح التشريع وتطويره لخلق اطار يساعد على حفز الاستثمار والمبادرة الخاصة وتنشيط الحركة الاقتصادية. اصلاح تشريعي في مستويين وأفاد وزير العدل وحقوق الانسان ان الاصلاح التشريعي قد تم في مستويين، تمثل الاول في تحديث المجلات والنصوص القانونية حتى تكون ملائمة لمناخ الاعمال، على غرار تنقيح مجلة الالتزامات والعقود، ومن ذلك اعطاء الوثيقة الالكترونية نفس الحجة والاعتراف القانوني الذي يتمتع به السند الورقي والامضاء بخط اليد. وكذلك تطوير المجلة التجارية ومن بينها تنقيح الفصول المتعلقة بنظام الحساب الجاري ودعم اجراءات استخلاص الكمبيالة، وتنقيح القانون المتعلق بالشيكات ، ومجلة التجارة البحرية ومجلة المرافعات المدنية والتجارية وغيرها من التشريعات ذات الصلة. وتمثل الجانب الثاني في الاصلاح التشريعي في وضع مجلات وقوانين جديدة في المجلات التي كانت تشكو فراغا تشريعيا مثل مجلة التحكيم ومجلة التأمين، ومجلة التشجيع على الاستثمار، ومجلة القانون الدولي الخاص ، ومجلة الشركات التجارية ، ومجلة الحقوق والاجراءات الجبائية. كما تم تنظيم عدة مجلات اخرى بقوانين نذكر منها السجل التجاري، وانقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية وحماية المستهلك والمنافسة والاسعار، ومؤسسات استخلاص الديون والايجار المالي والقرض. وهي كلها جوانب تشريعية دعمت مسار تونس، بخلق اطار قانوني ملائم لتنشيط الحركة الاقتصادية، واستقطاب الاستثمار الخارجي ونمو الادخار الوطني. التجربة التونسية وتقييم ما تحقق ان التجربة التونسية قد حققت الكثير في المجال التشريعي والانجازات التي نتجت عنها، لكنها لا تمنعنا اليوم من الوقوف عليها بالتقييم خاصة للتشريع الاقتصادي، وذلك لتفادي النقائص. ولعل ما يمكن الاشارة اليه في هذا السياق ان قانون الاعمال التونسي يتميز بمرونته وحيويته. فتعدد النصوص القانونية يعتبر مؤشرا على نجاح التجربة في مواكبة الحركية الاقتصادية الوطنية والدولية. غير ان هذا التطور التشريعي كما وكيفا لا يخلو بدوره من انعكاسات يجب التنبه لها لمعالجتها بايسر الطرق، وفي اسرع الاجال حتى تقع المحافظة على المكتسبات التشريعية. والملاحظ انه في مستوى الكم قد ارتفعت القواعد القانونية في شكل المجلات او النصوص، وهو امر يصعب الالمام به وبمضامينه، اما على مستوى الكيف فإن التدخل في مجالات متعددة وميادين دقيقة ومتفرعة ادى الى الابتعاد تدريجيا عن المبادئ العامة المقررة في القوانين الكبرى على غرار مجلة العقود والالتزامات ، والمجلة التجارية مما ادى الى طغيان الصبغة الفنية والتقنية على هذه النصوص ، وقد يؤدي ذلك ايضا الى صعوبة في فهم القاعدة القانونية واستخراج الحل المناسب للمسائل المعروضة. ومن هذا المنطلق وجب التفكير مليا لتجاوز الصعوبات ، رغم الاعتزاز بما تحقق في المجال التشريعي من تطورات. وبناء على هذا الواقع التشريعي المشار اليه، فإن تجميع النصوص القانونية المتعلقة بميدان الاعمال في مجلة او عدد محدود من المجلات يعد الحل الافضل الذي من شأنه ان يسهم في تجاوز الصعوبات المطروحة، لكن يجب التنبيه الى ان عملية التجميع تهدف الى القضاء على تشتت النصوص وذلك ليكون هناك وضوح في المنظومة القانونية يسهل الاطلاع على قواعدها، كما لا يمكن ان يكون التجميع نافعا اذا ادى الى جمود النصوص، حيث لا يخفى على احد أن التشريع الاقتصادي يتميز بالحركية والتجديد والتطور. لذلك لابد من البحث عن صيغة ملائمة للتوفيق بين كل هذه الاعتبارات. من مداخلات الملتقى والاطراف المشاركة فيه وتميز الملتقى بجملة من المداخلات الهامة ابرزت في عمومها التطور الاقتصادي العالمي الحاصل في ايامنا هذه وضرورة ملاءمة التشريعات الاقتصادية له. كما تم تقديم جملة من الوثائق التي تبرز النقص والتطور التشريعي الحاصل في مراحل مختلفة، الى جانب الحديث عن ابرز انواع تقنين قانون الاعمال واحدثها وذكر بعض التجارب الرائدة في هذا المجال. وقد ترأس الفترة الصباحية الاولى من الملتقى السيد محمد اللجمي الرئيس الاول لمحكمة التعقيب. وتم خلالها الاستماع الى تقرير حول المنظومة التونسية قدمه السيد عثمان بن فضل استاذ القانون بالجامعة التونسية. كما تولى السيد زهير اسكندر المدير العام لمركز الدراسات القانونية والتشريعية تقديم مداخلة حول وضع مخطط مديري حول التقنين الخاص بقانون الاعمال، وتلا ذلك للسيد ريري كابناك استاذ القانون بجامعة مونبليي حول القانون التجاري الفرنسي وصعوبات التقنين. وقد تابع جملة هذه التدخلات عدد هام من القضاة ورجال القضاء علاوة على حضور عدد هام من طلبة المعهد الاعلى للقضاء. ولا شك ان تواصل الملتقى اليوم، وتعدد وتنوع المداخلات سوف يكون هاما على اعتبار المواضيع المطروحة حول تقنين قانون الاعمال.