من أين نبدأ وكيف؟.. لإصلاح الإدارة التونسية والتأسيس لمنظومة ناجعة في خدمة الوطن يعامل من خلالها المواطن كحريف لا "كمتسول" يطلب خدمة ؟؟ وأية تشريعات وقوانين نصوغها لضمان حق المواطن مع ضمان حق الموظف ؟ وهل يمكن ادراج هذه الحقوق ضمن الدستور الجديد ؟ أسئلة وإشكاليات طُرحت على طاولة النقاش خلال ملتقى نظمته أول أمس النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية بالتعاون مع الجمعية التونسية للعلوم الإدارية تحت شعار "ثورتنا... إدارتنا ... ثروتنا"، هذه النقابة تم تكوينها في 15 أفريل 2011 لتنظيم القطاع والدفاع عن مصالحه والمطالبة بإعادة النظر في هيكلة هذا السلك الذي لم ينقح نظامه الأساسي منذ 1984. وبما أننا نعيش فترة استثنائية بكل المقاييس قطعت تماما مع قمع حرية التفكير والتعبير والتنظيم وأسست إلى بوادر وخطوات للإصلاح والمعالجة وتشخيص "أمراض" كل قطاع فإنه بات من الضروري في ظل هذه التغيرات أن تدرس كل الخطوات وبكل دقة وحسب المعايير الدولية لبناء نظام ديمقراطي تكون فيها مؤسسات الدولة تعمل في كنف الشفافية والحياد.
ظاهرة صحية...ولكن
السيد محمد صالح بن عيسى الكاتب العام للحكومة اشار في مداخلته الى أنه وعلى المستوى الإداري حصلت زعزعة خاصة بالنسبة للإدارات المحلية والجهوية وبأقل درجة بالإدارات المركزية بما في ذلك المجالس البلدية والجهوية وعلى مستوى الولايات والمعتمديات وهو أمر طبيعي بما أن المواطن فقد ثقته بكل مسؤول من العهد السابق وهي بالتالي ظاهرة تحمل في طياتها سلبيات وايجابيات". ومن سلبيات هذه الظاهرة مسألة التعميم وتصفية الحسابات ما انجر عنه ظلم البعض والتعسف على كرامة البعض الآخر، إلى جانب زعزعة ميزانية الدولة لسنة 2011 بسبب المطالب الإجتماعية، ولكنها ظاهرة ايجابية ولدت يقظة ثورية جعلت الجميع حارصين على تحقيق أهداف الثورة، إلا أنه لا يمكن الحديث عن ثورة فعلية إذا لم تحصل ثورة في القيم والسلوك والهدف والإستراتيجيات. ما المطلوب؟ فماهو المطلوب وماهي التحديات المطروحة على الحكومة بعد انتخابات المجلس التأسيسي؟ السيد محمد صالح بن عيسى أجاب قائلا أنّ "إصلاح الإدارة يتوقف على عدة عناصر أولها عنصر القيم وثانيها عنصر الهيكلة وثالثها عنصر الموارد البشرية ومناهج العمل داخل الإدارة، القيم التي يجب أن تقوم عليها الإدارة كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية والمتقدمة هو حياد الإدارة الذي ألغي تماما في التجربة الإدارية في تونس في العقود الأخيرة، غير أنه اليوم، وفي إطار التعددية السياسية والنقابية والقوى الإقتصادية الفاعلة، على الإدارة أن تبقى على حياد والحياد لا يعني أن يطبق في فترة الإنتخابات فحسب بل في إسداء الخدمات الإجتماعية والإدارية للمواطن على مدار السنة" إلى جانب ضمان "مبدأ الشفافية فالمواطن يجب أن يكون على علم بما يجري في الإدارة فلا وجود لأسرار ولا مبرر لعنصر السرية في الإدارة ذاك الموروث الإستعماري بينما في الأنظمة الديمقراطية للمواطن الحق في النفاذ إلى المعلومة من وثائق أو تقارير إلى جانب المساواة بين المواطنين في التعامل والحق في الخدمة الإدارية دون نسيان ضرورة استمرارية العمل الإداري فما خلفته الإعتصامات والإضرابات وصل إلى حد تعطيل سير المرفق العام وخاصة المرافق الحيوية للدولة". كما بات من الضروري إعادة هيكلة التنظيم الإداري الذي يبدأ من المستوى المحلي والجهوي الذي أثبت فشل التنظيم داخلها وبالتالي يجب إعادة النظر في التقسيم الترابي ليصبح تقسيما اقتصاديا متجانسا حسب خصوصيات كل جهة وامتيازاتها، كذلك الشأن على المستوى المركزي فالإدارة التونسية معقدة ومكبلة بعدد التوقيعات والإجراءات.
من أين نبدأ ؟
من كثرة مظاهر الفساد التي نخرت الإدارة التونسية كما جاء في مداخلة السيد سامي الرمادي رئيس الجمعية التونسية للشفافية يصعب تحديد نقطة البداية وبما أن "فساد الإدارة عدو الديمقراطية" فان البداية لا تكون إلا من "كل واحد منا"، "ابدأ بنفسك أولا" كما قال "سيريل قريسلان كاري" الخبير الدولي والمدير المساعد السابق للمكتب العالمي ل"ميكنازي أند كومباني" "كل يبدأ من موقعه ومن محيطه الداخلي بإدارته بالحوار والنقاش والإصلاح المبدئي داخل كل مكتب في انتظار القوانين والتشريعات". وتجدر الإشارة إلى أن الملتقى تضمن عدة مداخلات من بينها "مراجعة النظام الأساسي الخاص بسلك مستشاري المصالح العمومية قدمها السيد صالح بوسطعة المدير العام السابق لمركز التكوين والرسكلة ودعم اللامركزية بوزارة الداخلية و"الإدارة في الدستور الجديد" أمنها الأستاذ الفاضل موسى عميد كلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية.