شرعت التلفزة التونسية منذ شهر أوت الماضي في تنفيذ مشروع أو برنامج حفظ الأرشيف السمعي البصري التونسي المسجل على أشرطة فيديو قديمة نظرا لأن هذا الأرشيف كان خاصا بإنتاجات مؤسسة الإذاعة والتلفزة الوطنية قبل أن يتم الفصل بين الإذاعة والتلفزيون خلال السنوات الأخيرة باعتبار أن هذا الأرشيف يعد جزء هاما من تاريخ تونس الحديث وثقافتها وشاهدا حيا على تنوع وثراء حضارتها وثقافتها وإثبات بين على قدرة بعض الكفاءات على صناعة أعمال متنوعة وثرية نظرا لتنوع هذا الأرشيف بين مواد إخبارية وسياسية واقتصادية ورياضية وثقافية وفكرية ومنوعاتية وحوارية تسجل وتحتفظ بعينات وشواهد من مراحل اجتماعية وحقب من العمل والإبداع على نحو أثرى المشهد الإعلامي والثقافي منذ بداية بث التلفزة في بلادنا أي منذ أكثر من أربعة عقود. من دوبلاكس 2 إلى محامل رقمية
وتتمثل هذه العملية في رقمنة جزء من الأرشيف السمعي البصري المسجل على أشرطة فيديو قديمة من نوع كوادر دوبلاكس 2 بوصة وتحويله إلى محامل رقمية يسهل استعمالها في وسائل وتكنولوجيات الاتصال الحديثة وحفظه من التلف والإهمال خاصة بعد أن تعالت الصيحات والمطالب في السنوات الأخيرة بضرورة إيلاء هذه "الثروة" الأهمية والاهتمام اللازمين لا سيما أن أول من أطلق صيحات الفزع هذه هم من أبناء هذه المؤسسة أو المقربين من المشهد الإعلامي ومن داخل الأوساط الثقافية والفنية ممن وقفوا على بعض التجاوزات والإهمال التي طالت هذا الإنتاج الذي يعد توثيقا حيا لإبداعات وذكريات تفطن كل من لجأ إليها بحثا عن تسجيلات قصد توظيفها واستعمالها إلى إتلافه أو اختفائه سواء بسبب السرقة أو عدم حفظه في الظروف اللازمة والموجبة لحمايته من التلف. حيث ذكر البعض أن نسبة هامة من هذا الأرشيف الذي يقدر بحوالي 18 ألف شريط فيديو تتوزع بين مستودعات مقرين وباب العسل وغيرها قد طالها الإهمال فكانت كميات كبيرة منها شوهدت في فترات سابقة متناثرة في الطرقات وفي مصبات القمامة. فضلا عن أن ظروف الحفظ غير سليمة ولا تستجيب لشروط حفظ وحماية هذه الأشرطة على نحو يضمن عدم إلحاق أضرار بالمادة التي تتضمنها نظرا لأن هذه المستودعات كانت بدورها عرضة للحرارة في الصيف ومياه الأمطار في الشتاء إضافة إلى عوامل أخرى كالرطوبة وتكدس الغبار إضافة إلى أنها لا تخضع للصيانة اللازمة.
تسجيلات على الطرقات وأحيانا في صناديق القمامة
السؤال المطروح هل تحافظ التسجيلات التي تم تحويلها إلى محامل رقمية على جودة الصورة وجمالها؟ وذلك بمراعاة هذا الجانب لنفض الغبار عن مجموعة من الأعمال التلفزية الدرامية والكوميدية والأشرطة السينمائية التي أجمعت أغلب الآراء والمواقف على أهميتها وقيمتها مقارنة بما هو موجود في السنوات الأخيرة على غرار سلسلة "أمي تراكي" و"الحاج كلوف" وحكايات المرحوم عبد العزيز العروي وعديد الأشرطة السينمائية خاصة التاريخية منها وغيرها من التسجيلات التي تحتفظ بحوارات ولقاءات مع فنانين ومفكرين صنعوا ربيع الثقافة وأثروا المشهد الفني والسياسي والاجتماعي لتونس في مرحلة هامة من تاريخها بعد الاستقلال. فضلا عن غيرها من التسجيلات التي تعد ذاكرة تونس في محطات ومحافل سياسية ورياضية خاصة أن خزينة هذه المؤسسة وأرشيفها الخاص ببعض التسجيلات الخاصة بكأس العالم تونس 1978 أو بعض الخطابات التاريخية لبورقيبة وغيرها لم تعد موجودة. في حين يفترض أن تولي الأطراف المشرفة على الأرشيف السمعي البصري عناية خاصة بهذه الثروة وأن تحرص على أن تتم عملية التحويل والتخزين لهذه التسجيلات في ظروف سليمة حتى تقدم هذه المحامل الرقمية صورا وتساجيل أفضل لأعمال أغلبها كان بالأبيض والأسود أي قبل أن تتحول الصورة التلفزية إلى صور بالألوان. كما يفترض أنه على أسرة التلفزة أن تضمن شبكتها على القناتين الوطنيتين الأولى والثانية برامج خاصة بالأعمال القديمة لتذكر الأجيال الحديثة بإنجازات وإبداعات من سبقوهم والتعلم من تلك التجارب لأن من لا ماضي له فلا حاضر له خاصة إذا أجمع البعض على ما تميزت به أغلب الأعمال القديمة من جودة واتقان رغم أنها أنجزت في ظروف جد صعبة ونفذت بتقنيات محدودة.