محمد الطوير بعد بضعة أيام على تجرؤها في مجلس الأمن الدولي على استخدام حق النقض (الفيتو) لإحباط محاولة استصدار قرار أممي يدين القمع الدموي والوحشي الذي تمارسه قوات النظام السوري من جيش وشرطة و"شبيحة" منذ أكثر من نصف عام ضد الشعب السوري المنتفض ضد طغيان واستبداد الطغمة الحاكمة في سوريا، تفاجئ القيادة الروسية الجميع أمس باتخاذ موقف مغاير تماما عبر مطالبتها الرئيس بشار الأسد وحكومته وبلهجة لا تخلو من الصرامة الواضحة بالتعجيل بوقف إراقة الدماء وإجراء الاصلاحات المطلوبة شعبيا أو التنحي عن السلطة. هذا التبدل في موقف موسكو، رغم أنه يدعو إلى الترحيب والارتياح باعتبار الوزن والتأثير اللذين تملكهما ليس في سوريا فقط، بل وعلى مستوى القرار الدولي، إلا أنه لن يمكنه تبديد الشكوك التي ولدها موقفها الأخير في المنظمة الأممية لدى الشارع السوري بشأن مدى انتصارها للمبادئ الكونية ومنها حق الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة، بالإضافة إلى أنه يعزز علامات الاستفهام المثارة حول مدى كفاءة الديبلوماسية الروسية وقدرتها على استيعاب ومواكبة التطورات الحاصلة في العالم العربي والتعاطي معها بالإيجابية المطلوبة. ذلك أن هذه ليست المرة الأولى التي ترتكب فيها روسيا مدفيديف-بوتين خطأ مماثلا في التقدير وتكفي الإشارة إلى تجربتها الأخيرة في ليبيا حيث اضطرت في اللحظات الأخيرة إلى التراجع عن مساندتها ودعمها لنظام العقيد معمر القذافي بعد أن أيقنت أن تلك المساندة وذلك الدعم سيكلفانها فقدان مصالحهما الحيوية هناك. وبالتالي فإن مهمة استعادة ثقة الشعب السوري - الضامنة الوحيدة للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية ذات الأهمية الكبيرة في سوريا بعد فقدان نظام الأسد كل مشروعية من خلال إمعانه تقتيلا في مواطنيه - ستكون مرهونة بقرن القول بالفعل وبأن يقيم الساسة الروس الدليل عمليا على اقتناعهم بالقاعدة الأساسية التي تأكدت صحتها على مدى التاريخ، وهي أن الشعوب أبقى من الحكام الطغاة والمستبدين وأن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها متى حزمت أمرها على التحرر واستعادة الكرامة المهدورة مهما بلغت حدة القمع والبطش.