عاجل/ منظمة إرشاد المستهلك تفتح النار على البنوك وتكشف..    أسعار الأضاحي تتراوح بين 650 و1600 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزارة الفلاحة تعدُ التونسيين بصيف دون إنقطاع مياه    كل ما تريد معرفته عن الازدواج الضريبي للتونسيين بالخارج    الزمالك يعلن إقالة مدربه بيسيرو    فيديو/ معطيات جديدة وصادمة في جريمة قتل المحامية منجية المناعي..#خبر_عاجل    تونس تتلقى دعوة للمشاركة في قمة "استثمر في باوتشي"    مزاد على قميص صلاح... قيمته تتجاوزال 50 مليون    مصر وقطر في بيان مشترك: جهودنا في وساطة غزة مستمرة ومنسقة    بداية من بعد ظهر اليوم: أمطار غزيرة ورياح قوية    بعد ظهر اليوم:سحب رعدية وأمطار غزيرة    الدورة الثانية للتظاهرة الثقافية 'عودة الفينيقيين' يوم 11 ماي بولاية بنزرت    الدورة الخامسة لتظاهرة اليوم البيئي يوم الاحد المقبل بمدينة حمام سوسة تحت شعار 'بيئتنا مسؤوليتنا'    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    أطعمة تساهم في خفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    وليد بن صالح رئيسا للجامعة الافريقية للخبراء المحاسبين    خبير بنكي: استعمال ''الكمبيالة'' يزداد وإقبال كبير من الشركات    وزير التشغيل والتكوين المهني يدعو الى ترويج تجربة تونس في مجال التكوين المستمر دوليا    هام/ موعد اختتام السنة الدراسية..وتفاصيل روزنامة الامتحانات..    رفض الإفراج عن الخطيب الإدريسي وتأجيل محاكمته إلى جوان المقبل    يقطع الكهرباء ويجدول الديون.. القبض على شخص ينتحل صفة عون ستاغ..    قفصة: أفاعي سامة تهدد التونسيين في الصيف    باريس سان جيرمان وأرسنال..موعد المباراة والقنوات الناقلة    مهم للحجيج التونسيين: الضحية ب 192 دولارًا والسعودية تُحدّد الجهات الرسمية    واشنطن تُسرّع خططها لضم غرينلاند.. تقارير تكشف تعليمات سرية للمخابرات الأمريكية    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    تونس: أسعار ''علّوش'' العيد بين 800 و مليون و200 دينار    ترامب يدعو إلى التهدئة بين الهند وباكستان    نفوق الأبقار: فلاحو بنزرت يستغثون    المهدية: تحيّل باسم ''الستاغ'' وسلب أموال المواطنين    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    عاجل : وزارة التجهيز تعلن عن موعد انتهاء أشغال تهيئة المدخل الجنوبي للعاصمة    الإصابة تنهي موسم المهاجم الدولي إلياس سعد    تفعيل خدمات النفاذ المجاني للأنترنات بمطارات صفاقس وتوزر وقفصة وطبرقة وقابس    هدف فراتيسي يحسم تأهل إنتر لنهائي رابطة الأبطال بفوز مثير على برشلونة    بطولة الكويت - طه ياسين الخنيسي هداف مع نادي الكويت امام العربي    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند و باكستان    الصين: روبوت يخرج عن السيطرة و'يهاجم' مبرمجيه!    كوريا الشمالية.. الزعيم يرفع إنتاج الذخائر لمستوى قياسي ويعلن الجاهزية القصوى    واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    أقر اجراءات استثنائية.. مجلس وزاري مضيق حول تحسين جودة قطاع النقل    ديناميكية التحويلات: مساهمة حيوية للمغتربين في دعم الاقتصاد التونسي    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    تسجيل استقرار في العوامل الجوية بداية من هذا الموعد    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والغريزة
نشر في الصباح يوم 19 - 10 - 2011

بقلم: محمد الحبيب بو حسن يذهب المفكرون إلى أن الدولة إذ ظهرت فلكي تضع حدا لسلطة الإنسان على الإنسان، تلك السلطة التي تحكمها غريزة حب السيطرة والميل إلى العدوان وأنه بغياب الدولة سنكون إزاء حالة « الكل فيها يرغب في أن يحكم، والكل فيها ينزع إلى السيطرة وتملك الآخرين..» وهو ما يدفع إلى التقاتل فتحل الفوضى وتسود أشكال الحرب الأهلية، جراء هذا الخطر المحدق بالجميع ابتكر الناس «الدولة» وفوضوا لها الحكم وإليها يحتكمون.
وجهة النظر هذه تعني بالأساس أن الدولة هي الجهة الوحيدة المخول لها احتكار واستعمال القوة حتى تردع الناس بعضهم عن بعض، وأن ميول وغرائز الناس (حب السيطرة لديهم) لا تتوقف عن محاولة الإشباع إلا بوجود رادع أو واعز يمنعها ويضع حدا دون الانسياق وراءها وقد عبر عن ذلك كثيرون ومن بينهم «سغموند فرويد» الذي ذهب إلى القول بأن كل مجتمع أو حضارة لا يمكن إلا أن تتأسس على القمع، فبني الإنسان لا يحسنون العيش في عزلة وعلى انفراد، إلا أن التعايش مع الآخرين كحاجة وكضرورة يقتضي قمع ومنع الغرائز وبذلك تصان حياة الناس وممتلكاتهم وأعراضهم.
2- خلال الفترات التي يقبل فيها مجتمع ما على انجاز تغيير أو تحول سياسي، يلاحظ وكلما تعلق الأمر بتغيير سلس وفق قاعدة « التداول السلمي للسلطة « أن الدولة تحافظ على استمرارية وظيفتها من خلال عمل أجهزتها ونفوذ القوانين والمؤسسات المنظمة للحياة الجماعية، وأنه لمن النادر أن تظهر في هذه الحالة أشكال الانفلات الأمني، وصيغ الفوضى العارمة... كما لا يوجد تلازم بين الانفلات الأمني وما يحدث من تغيير للحكم عبر الانقلابات العسكرية بالنظر لما تلجأ إليه الجهة العسكرية من الإسراع في فرض وإعلان حالات الطوارئ وأشكال الممارسة الزجرية.. ولما كانت الثورة أمرا آخر، وبما هي تفويض لنظام حكم وإنهاء للعمل بجملة من القوانين والصيغ المنظمة للحياة والمكرسة لواقع تسعى الثورة لهدمه، والتخلص منه وفي انتظار بناء نظام بديل وقوانين تستند إلى صيغ من الشرعية والمؤسساتية..يهتز بالضرورة أداء ونجاعة الدولة أو الهيئة أو المجلس الحاكم في المرحلة الانتقالية.
3- إن هذا الفراغ أو الترهل في الأداء الذي يلحق بالدولة وأجهزتها وأشكال التحلل والضعف وبمجرد ظهوره تتساوق معه أشكال الانفلات، أي أن المرحلة الانتقالية التي تتوسط عمليتي الهدم وإعادة البناء عادة ما تكون مرحلة محفوفة بالمخاطر من ناحية غياب الرادع بما يسمح إلى العودة والانسياق لحكم الغرائز، فعند سقوط رمز السلطة تنبثق تلك الرغبات والميول الدفينة من تحت الرماد (الكل يريد أن يحكم، الكل يرغب في أن يسيطر، الكل يندفع إلى أن يملك..) فتسود أشكال السلوك العدواني والاعتداء على الممتلكات وتصفية الحسابات، أين تتجه الغريزة باتجاه حب النفوذ ( السلطة والمال والنساء.. ) أمثلة ذلك راسخة في الذاكرة ( انظر ما حصل يوم سقوط بغداد.. ويوم تحرير طرابلس، والأيام التي تلت 14 جانفي 2011 في تونس ). وفقا للتحليل النفسي، فإن الميول والرغبات الدفينة لا تموت وتظل تتحين الفرص لتظهر وتحقق الاشباع وليس أنسب من لحظات تهاوي النظام ووهن وانحلال الدولة، وهكذا يظهر حاكمون جدد دون أن ينصبهم أحد، وذوي رغبات يعتمدون على القوة وما يمتلكون من وسائل البطش وبسط النفوذ، يقطعون الطريق يحكمون بأمرهم.. أما فيما يتعلق بالشأن السياسي فهي مرحلة الإستقواء بالشارع واستعراض القوة بما ينظم من تجمعات واعتصامات تتراوح بين الترغيب والترهيب، ولن ينأى عن هذا التيار إلا أولئك الذين تمكن العقل فيهم وبذور الحكمة لديهم من توجيه اهتماماتهم إلى البحث عن البدائل، وعن أسس النظام الذي سيحل محل النظام الذي تم تقويضه، وليكن أو هو ذا ما تقوم به النخبة أو النخب.
4- إن تحليل ذلك السلوك ( الانفلات الأمني) أمر مختلف عن الصيغ التي يتم ترديدها، والتي تركز بالخصوص على توجيه الاتهام إلى فلول النظام القديم أو أطراف لم تجد لنفسها موقعا في الوضع المستجد، فعلا بإمكان هؤلاء وأولئك أن يحرضوا وأن يسكبوا الزيت على النار، أما الأصل فنار تحت الرماد، لأن ما يحصل حاصل بالأصل بموجب تفكك الدولة وأجهزتها بما يسمح للغرائز بالظهور، وبهذا يكون التمييز بين فهم ظاهرة سلوكية وبين عدم فهمها وأن عدم الفهم يضمن استمرار الظاهرة وشتان بين الاقتصار على محاولة القضاء على الجهة أو الطرف الذي يقف وراء...... وبين القيام بخطى حثيثة حتى لا تطول فترة تفكك الدولة وأجهزتها، وإذا كان من الضرورة التمييز بين حالتي الإسراع والتسرع لإنهاء المرحلة الانتقالية فإن هذا الشر الذي لابد منه لا يمكن أن يستغرق حيزا كبيرا في الزمان، حتى لا نسقط ضمن عقلية كتلك التي سادت في روسيا زمن بناء الاتحاد السوفياتي عندما كانت التصفيات تدور باسم ديكتاتورية البروليتاريا إلى نهاية عهد ستالين، فعلا يمكن للبروليتاريا أن تتعسف وللسواد الأعظم أن يستعرض عضلاته لكن حصول ذلك لأسابيع أو أشهر قليلة أمر يختلف عن استمراره لسنوات ولعقود.. عند ذلك لن نكون إزاء ثورة، بقدر ما نكون بصدد استبدال ديكتاتورية بأخرى، أو الإطاحة بنظام باتجاه الفوضى. أن تسود الفوضى لبرهة فتلك ضريبة الثورة، أما إطالة أمدها فأمر ينبغي التحكم فيه، ما دامت الثورة حلما بواقع أفضل وأملا في العيش المشترك الجدير بما هو انساني، لا يتعلق الأمر إذا بترك العنان للغريزة وإنما بوعي ثوري يقود السلوك وينشد بناء المؤسسات ويعقلن الصراع. إذ لا يمكن بأي حال أن تكون الثورة مجالا لتعميق الأحزان وواد الآمال والأحلام، ليست الثورة مدخلا للفقر، بقدر ما يرجى أن تكون مسلكا للثروة.
عندما بدأ التفكير بين النخب ( السياسية والفكرية ) في تونس يتجه نحو البحث عن حلول وتوجهات وفاقية شرع الأمل في الاقتراب من التحرر من الغريزة يحيا وينتعش وأن غدا لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.