في تاريخ الشعوب والأوطان أيام لا تنسى... أيام تكتسب قيمتها الغالية ورمزيتها التاريخية من قيمة وأهمية "الحدث" الذي تحيل عليه وتؤرخ له... أيام تظل ذكراها منحوتة - والى الأبد - في الذاكرة الجمعية للأجيال لأنها تمثل في ذاتها عنوانا بارزا واستثنائيا في صفحات تاريخ الوطن - بل والأمة - ومرحلة مفصلية في مسيرة الحراك الوطني الاجتماعي أو السياسي... واليوم ،،، - الأحد الثالث والعشرون من أكتوبر - هو - وبكل المقاييس - واحد من هذه الأيام التاريخية... يوم تونسي خالد ومشهود هو بمثابة موعد نادر مع التاريخ طالما انتظرته أجيال من التونسيين بل وناضلت من أجله على مدى أكثر من خمسة عقود... يوم يؤسس لمرحلة نوعية في التاريخ السياسي المعاصر لدولة الاستقلال في تونس.. مرحلة سيقطع فيها التونسيون - والى الأبد - مع مهازل الانتخابات الصورية والمزيفة ويدشنون بها ومن خلالها عصر الديمقراطية والتمدن السياسي والاحتكام الى صناديق الاقتراع في اطار انتخابات نظيفة وشفافة... من هنا، فإن الأولوية يجب أن تكون اليوم - وباطلاق - لانجاح هذه التجربة الديمقراطية في ذاتها وليس لما ستكشف عنه - لاحقا - صناديق الاقتراع من نتائج ونسب وأرقام... التونسيون جميعا وبصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية هم مدعوون اليوم الى أن يساهموا في انجاح هذا الموعد الانتخابي التاريخي، انجاحه بالإقبال المكثف على التصويت - من جهة - وكذلك بالبرهنة عمليا على أهليتهم كمواطنين بالممارسة الديمقراطية في ذاتها - من جهة أخرى -... نقول، مطلوب من التونسيين جميعا أن يكونوا في الموعد وفي مستوى هذه الممارسة الديمقراطية المتمدنة - وعيا وسلوكا - ، لا فقط لأن تجربتهم هذه هي اليوم محط أنظار العالم كله وإنما أيضا لأن عيون شهداء ثورة 14 جانفي العظيمة ترقبهم من وراء الحجب... والواقع أنه ليس وحده الوفاء لدماء شهداء ثورة 14 جانفي التاريخية يحتم على التونسيين اليوم أن يكونوا على قلب رجل واحد - حتى والموعد انتخابي تنافسي - من أجل انجاح التجربة الديمقراطية الوليدة - قبل أي شيء آخر - وإنما كل النضالات المريرة والقاسية - بمختلف أشكالها - التي خاضتها أجيال من التونسيين - نخبا وجماهير - على امتداد أكثر من خمسة عقود من أجل الديمقراطية والحريات ودولة القانون والدخول بتونس المستقلة في مسار الحداثة والتمدن... هذا فضلا عن نضالات وتضحيات آبائنا وأجدادنا من أجل الاستقلال ورفع الراية الوطنية في سماء تونس الحرة وذات السيادة... انها أمانة ومسؤولية تاريخية يجب أن نكون اليوم كتونسيين في مستواها... انه يوم تاريخي مجيد... انه من أيام تونس...