عاجل/ نقابة الصيادلة تعلن استعدادها للتراجع عن هذا القرار في هذه الحالة..    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    عاجل: فرصة لتسوية ديونكم...بلدية تونس تعفي المتساكنين من خطايا وأداءات قديمة!    وزير التجهيز والإسكان يؤكد على تفعيل الدور الرقابي للتفقدية العامة بالوزارة    عاجل: الصوناد تدعو التونسيين للتبليغ عن الإخلالات والإشكاليات    عاجل: تعرف على نسب الفائدة الفعلية والمشطّة لكل نوع من المساعدات    ابحار 12 سفينة ضمن أسطول الصمود المغاربي لكسر الحصار عن غزة    عاجل/ الكيان الصهيوني يستهدف مستشفى للأطفال بغزة..    دموع المستشار الألماني تستفز العرب على مواقع التواصل    فرنسا تدين الهجوم البري الصهيوني على غزة وتصفه ب"الحملة التدميرية".. #خبر_عاجل    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    الدورة 28 من تحديات الشط: حدث رياضي وثقافي استثنائي في قلب الجنوب التونسي    رابطة ابطال اوروبا - مبابي يحرز ركلتي جزاء ليقود عشرة من لاعبي ريال للفوز على مرسيليا    رابطة أبطال اوروبا : يوفنتوس ينتزع التعادل 4-4 من دورتموند في الوقت بدل الضائع    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ انقلاب حافلة تقلّ عمّالا بهذه الجهة..    11 جريحا في حادث مرور بين سيارتين.. #خبر_عاجل    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    أمل جديد لمرضى القلب.. تشخيص مبكر ينقذ الحياة في دقائق    عاجل: الكشف عن إصابة نجم الأهلي المصري ''بفيروس خطير''... هل انتقلت العدوى إلى باقي اللاعبين؟ نتائج التحاليل تكشف المفاجأة    جريدة الزمن التونسي    جريدة الزمن التونسي    إيران تنفذ حكم إعدام بجاسوس للموساد    فيينا.. مقتل شخصين وإصابة آخرين بإطلاق للنار في مبنى سكني    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    بعد 140 عاما.. العثور على "سفينة أشباح" غرقت في بحيرة ميشيغان الأمريكية    رغم تراجع الصادرات... دقلة النور تواصل ريادتها في السوق العالمية    مهرجان بغداد السينمائي يكرّم السينماء التونسية    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي مطالب بالتغيير    مونديال الكرة الطائرة بالفلبين...هزيمة أمام إيران وصراع الخميس مع مصر    بين قفصة والمتلوي.. اصابة 11 شخصا في حادث مرور    الرابطة المحترفة الاولى(الجولة6-الدفعة1): النتائج والترتيب    وزير الصحة يزور مستشفى "سامسونغ" الذكي في سيول    مستقبل قابس يعزز صفوفه بالظهير الايسر ياسين الميزوني    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    القيروان: النيابة تأذن بالبحث في ظروف وفاة عرّاف    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    عاجل/ تفاصيل وأسباب إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود "CVIP"..    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب حقيقة أم استثناء؟
نشر في الصباح يوم 20 - 12 - 2007

يبدو اليوم مشهد الحرب والعنف وشبح الموت المنتشر في أكثر من مكان في الأرض، معلنا عن حالة استنفار دؤوبة تعيشها الإنسانية. لكأن الإرهاب حقيقة وواقع إنساني وأن حلّ الصراعات بين الناس هو بمثابة الإيتوبيا وأن "مشروع السلم الدائمة"(1)، هو الحلم الذي لا يمكن بأي حال أن يتحقق،
ولكأن المرحلة الراهنة تفضل الحرب وتتوق إليها. فهل يتعامل الفكر الإنساني اليوم مع ظاهرة الإرهاب على أنها حقيقة ثابتة وواقع معطى لابد من مجابهته؟ أم أنها مجرد حالة إستثنائية من المعيش اليومي للإنسان؟ بلغة أوضح هل أن ظاهرة الإرهاب ظاهرة مقتصرة على أزمنة وأماكن محددة؟ أم أنها ظاهرة معولمة وكونية؟
هل الإرهاب مجرد إستراتيجية تسطرها مؤسسات محددة ترنو إلى غايات وأفق محدد قبليا؟
ماذا يعني الإرهاب؟ هل هو مجرّد عنف؟ ماهي الأجهزة المسؤولة عن زرع هذه الظاهرة داخل الواقع الإنساني؟
هذه الإشكاليات تبدو مشروعا بأكمله لمباشرة وتفكيك مسألة الإرهاب، لكن يمكننا فقط الإستناد إليها لمقاربة المسألة، والتي تبدو راهنة في كل مستوياتها.
إن راهنية مسألة الإرهاب لا تعني أنها تفتقد إلى التاريخية، فهي ظاهرة متأصلة ضمن التاريخ البشري، ولكن تمظهراتها متغيرة، متبدلة بحسب المعطيات المتوفرة، فهي ظاهرة غير معزولة عما يعتمل من وقائع وإستراتيجيات تحدد المواقع في ما بين المؤسسات.
و لكن السؤال الذي يوجه التفكير في معالجة المشكل هو لماذا إستفحلت ظاهرة الإرهاب اليوم؟ ما الذي يغذي هذا الإنتشار اللامشروط لظاهرة يبدو أن العقل البشري قد امتلك من الآليات التي تمكّنه من تجاوز ممارستها؟. إن الإرهاب له جذور ضاربة في التاريخ ، ولم تتمكن الإنسانية من تجاوز مفاعيله بصورة نهائية، بل إن الأمر قد أصبح أكثر تعقيدا ، حيث تمكّن الإرهاب من آليات متطورة وأشكال متنوعة، وكأنه بقدر ما تطورت وسائل السيطرة على الإرهاب بقدر ما تطورت آليات استعمال العنف فمن المفارقات الرهيبة أن تطور العقل يوازيه في المقابل ازدياد العنف.
من هنا فإن التفكير في هكذا مسألة يمكن أن يكون بفهم الظاهرة، وإستيعابها مفاهيميا بالخصوص، أي تحديد المفهوم بصورة عقلانية متخلصة من كل نزعات إيديولوجية، قد تغذي الظاهرة، وتشكّل سببا كافيا ومباشرا لإندلاعها، من ذلك فإن أهم مقاربة للمفهوم هي التي تنزع للموضوعية، وفهم الأمر بإعتباره ظاهرة قابلة للتفكير وللتحليل العقلي وتجاوز شروط إمكانه، فالتضخيم من الأمر والتعامل معه بأسلوب رد الفعل، مثل هكذا تفاعل يفاقم الأمر عوضا عن الحدّ من وطأته ويضعنا في إحراج مفاهيمي يتعلّق بتحديد العناصر الفاعلة. من هو الإرهابي؟ هل هو من قام بالفعل أم هو الذي قام برد الفعل؟ فقد يكون رد الفعل هو إرهاب بذاته، ذلك أن إعلان مفهوم "الحرب على الإرهاب" هو ذاته يطرح مشكلا بالنظر إلى المسألة، والتي لا يمكن بأي حال معالجتها بالإستناد إلى ما هو إنفعالي، أي بأسلوب رد الفعل، والإنتقام. فنحن ها هنا لا نفعل غير أننا نمارس إرهابا مضادا يدعي أن له من القوة ما به يكون قادرا على ردع وهزم الإرهاب الأوّل، وهي كلّها طرق لا تدفع إلى معالجة المشكل بل بالعكس تفرز أنماطا جديدة من الصراعات ستكون البشرية في حال أحسن منها بكثير إن هي عملت بشكل أكثر عقلانية وتعاملت مع هذه الظاهرة بتعالي وإرادة حقيقية للتجاوز وتحقيق العدل والسلم للإنسان حيثما وجد. وهو ما حدث بالفعل إثر أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تلت هذا الحدث، حروب متتالية، خلقت أزمات تعاني منها كل البشرية دون إستثناء.
مما لاشك فيه أن الإرهاب تعصّب بمعنى الإعتقاد في يقين ثابت وواحد وإعتباره مرجعية وإستراتيجية. في هذا المستوى من التفكير يمكننا الإستناد إلى نص فلسفي تميز بمقاربته لمسألة التعصب في علاقته بالعنف، وهو مؤلف للفيلسوف الفرنسي آلان، حيث يقول: "شهدت كل الأزمنة متعصبين يرون أنفسهم شرفاء، دون ما شك. والجرائم التي إقترفوها إنما هي إمتداد لفكرة أو دين أو تصور عن العدالة أو عن الحرية". (2)
إنطلاقا من هذا الإعتبار الفلسفي، يبدو التعصب بمثابة العقيدة، أو الإستراتيجية، فالتعصب في ما يقره الفيلسوف ينطلق من رؤية وتصور للمفاهيم التي تتصل بالوجود الإنساني، وهذا الأمر - وإلى هذا الحد - يبدو إيجابيا، وأكثر من ذلك، فهو في إعتبار الفيلسوف آلان، يجلب التقدير والإحترام، إذ يقول "ثمة شيء من التقدير وأحيانا إعجاب خفي بأناس يخاطرون بحياتهم في سبيل ما تعتقد أنه عادل أو حق. إنني أكتشف حقا هاهنا فضائل نادرة تبعث على الإحترام، كما اكتشف على الأقل قدرا من الإرادة (3)".
هكذا يبدو أن التمسك بموقف أو برأي، أو برؤية تجاه الواقع، والدفاع عنها والتضحية من أجلها، هي أمور في واقع الأمر تجلب الإحترام، فهي بمثابة الفضيلة، حيث هنالك إرادة تروم التحقق واقعيا، فما هو المشكل إذن الذي تفجره مسألة التعصب، إذا كانت الأمور على هذا القدر من الجدية والثبات على مواقف ترنو إلى تحقيق الأفضل؟
ألا يؤدي هذا الأمر إلى مفارقة في مستوى مسألة الإرهاب، خاصة إذا ما إعتبرنا أن التعصب هو الأرضية التي يترعرع داخلها الإرهاب.
إن المشكل الأساسي، لا يتمثل في تبني إيديولوجية، والدفاع عنها، بقدر ما أن المشكل الجوهري يكمن في الفكر، فالتعصب يعبر عن نمط من التفكير المتحجر والمنغلق والرافض للآخر. المعضلة تكمن في هذا المستوى في أن الفكر المتعصب يعتقد في حقيقة واحدة، ثابتة، هي بمثابة اليقين الذي لا يتزعزع، ولا يمكن مناقشته. إن "حقيقة" المتعصب هي صنم يجب تقديسه، يقول آلان "ثمة شيء من الآلية في الفكر المتعصب لأنه يعود دوما من الدروب، فهو لم يعد يبحث، ولم يعد يبدع، إن الدغمائية لهي بمثابة هذيان منشد". (4)
إن التعصب يتحول هكذا إلى دغمائية وإلى هذيان، أي إلى حالة مرضية يغلب عليها الوهم، فتقف حاجزا أمام كل إبداع أو تجديد ينشد مسايرة تحولات الواقع الإنساني.
إن ما يفتقر إليه الفكر المتعصب هو عدم الإعتراف بضرورة الآخر، فالإقناع في نظر المتعصب لا يتم عبر الحوار بل عبر آلية الإكراه، لأن فكر المتعصب هو ناتج عن إنفعاله، وهو يروم السيطرة وبسط النفوذ. ومن هنا يتأسس المعنى العميق للإرهاب، إذ لا يكمن فحسب في إستعمال العنف وبث حالة الرعب والخوف، إنما يكمن خاصة في رفض الآخر، وفي كل مكوناته، وإعلان حالة الصراع الدائمة، والتي ليس لها من مبرر سوى السطو على الآخر وتجريده من إنسانيته. إن الصراع هاهنا، هو صراع مواقع وإستراتيجيات وهو ايضا إحتكار لمواقع النفوذ، وسيطرة على الأرض وإبتزاز كل مكوناتها، والتلاعب بالمفاهيم وتزييف التاريخ، نفي استقلالية التفكير، والإحتكام إلى منطق السلاح. إن إعلان حالة "التأهب القصوى" لهي تجسيد واضح عن "جنون العقل"، العقل المنتج للآليات المتطورة للعنف، والعنف المضاد، والحرب، والإرهاب.
يصور لنا "صراع الإستراتيجيات" والحروب -التي تدور اليوم بالوكالة- الإرهاب على أنه حقيقة لا مناص منها، وإن الواقع الإنساني هو واقع صراع لن ينتهي، مادامت الإستراتيجيات تغذي الصراعات وتولدها باستمرار، وتفرز كل مبرراتها، ألا يكون بذلك الصراع والعنف، والإرهاب، من المكونات الجوهرية للواقع الإنساني؟
إن الإرهاب مهما إنتشر، وإستفحل، وإتخذ مواقع متعددة، فهو يظل إستثناء، لأن من يغذي الصراعات، ومن يخير واقع العنف والإرهاب والرغبة في السيطرة هي في الواقع "قوى" متفردة، تحتكم إلى الانفعال والضغينة أكثر من إستنادها إلى العقل، ولا يمكن بأي حال أن تمثل الإنسانية.
1 مفهوم للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط
2 آلان ، مينيرفا أو في الحكمة 1927 خواطر ص 21
3 نفس المرجع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.